قبل عدة أيام، قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تعهد كمرشح بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة” رداً على اغتيال خاشقجي، السفر إلى الرياض هذا الشهر لإعادة بناء العلاقات مع المملكة الغنية بالنفط في وقت يسعى فيه إلى لخفض أسعار الغاز في الداخل وعزل روسيا في الخارج.
قال مسؤولون في الإدارة الأمريكية، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأن الرحلة لم يتم الإعلان عنها رسمياً، إن بايدن يخطط لإضافة زيارة الرياض إلى رحلة مجدولة مسبقًا إلى أوروبا وإسرائيل هذا الشهر. خلال توقفه في الرياض، سيلتقي الرئيس مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي خلص تقرير المخابرات الأمريكية إلى أنه مسؤولاً عن تقطيع أوصال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، كما سيلتقي السيد بايدن مع قادة الدول العربية الأخرى، مثل مصر والأردن والعراق والإمارات العربية المتحدة.
وفقًا لخبراء السياسة الخارجية، تمثل الزيارة انتصارًا للسياسة الواقعية على القيم الأخلاقية. في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وجد بايدن أنه من الضروري التحدث إلى منتجي الطاقة الآخرين لاستبدال النفط الروسي وتحقيق الاستقرار في الأسواق العالمية.
أعلنت مجموعة الدول المنتجة للنفط “أوبك بلس” بقيادة السعودية، الخميس، أنها ستزيد الإنتاج في يوليو/تموز وأغسطس/آب، فيما يتوقع المسؤولون الأمريكيون أن يزيد الإنتاج مرة أخرى في الخريف.
كانت إدارة بايدن قد عززت بالفعل تعاونها مع المملكة العربية السعودية في عدد من القضايا حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا الذي تسبب في اضطراب أسواق الطاقة العالمية، لا سيما في السعي لإنهاء الحرب التي استمرت ثماني سنوات بقيادة السعودية في اليمن المجاور.
تم تمديد الهدنة التي استمرت شهرين يوم الخميس، وأشاد بايدن بدور القادة السعوديين في هذه الخطوة، وقال في بيان “أظهرت المملكة العربية السعودية قيادة شجاعة من خلال اتخاذ مبادرات في وقت مبكر لتأييد وتنفيذ شروط الهدنة التي تقودها الأمم المتحدة.”
تغيير اللهجة المائل للدبلوماسية، ورحلة بايدن، يشيران إلى محاولة من الرئيس الأمريكي لإصلاح توتر العلاقات الناجم عن مقتل خاشقجي عام 2018.
بينما ظل الرئيس دونالد ترامب مقربًا من السعوديين وداعماً لهم، وعد بايدن باتخاذ مسار مختلف إذا تم انتخابه رئيساً للبيت الأبيض، حيث قال إنه سيجعل السعوديين “يدفعون الثمن، وأنه سيجعلهم منبوذين”.
بعد توليه منصبه، أصدر السيد بايدن تقريرًا استخباراتيًا عن مقتل خاشقجي باعتباره بيانًا للمساءلة وفرض عقوبات على بعض المتورطين في القتل، لكنه لم يتخذ أي إجراء ضد محمد بن سلمان، مما رسم صورة واضحة لمدى استعداده للانفصال عن الرياض.
تدعي الإدارة الحالية بأنها أنهت سياسة فريق ترامب المتمثلة في منح شيكات على بياض للرياض، لكنها لم تكن على استعداد لإنهاء صداقة أمريكا القائمة منذ ما يقرب من ثمانية عقود مع المملكة العربية السعودية، والتي لطالما كانت حليفًا مهمًا ضد جبهات متنوعة.
في الذكرى المئوية لمجلة فورين أفيرز، قال وزير الخارجية أنطوني ج. بلينكين يوم الأربعاء “المملكة العربية السعودية شريك مهم لنا في التعامل مع ملف التطرف في المنطقة، وفي التعامل مع التحديات التي تطرحها إيران… آمل أن أساهم في توسيع اتفاقيات أبراهام، ومواصلة عملية بناء العلاقات بين إسرائيل وجيرانها على الصعيدين القريب والبعيد”، وأضاف “حقوق الإنسان لا تزال مهمة، ولكن نحن نتعامل مع مجمل مصالحنا في تلك العلاقة”.
أقامت اتفاقيات أبراهام، برعاية ترامب، علاقات دبلوماسية طبيعية بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والبحرين، لكن المملكة العربية السعودية لا تزال الهدف بعيد المنال، وهو هدف من شأنه أن يقطع شوطًا طويلاً نحو إثبات مكانة إسرائيل في المنطقة إذا اعترفت السعودية رسميًا بالدولة اليهودية.
الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، وزير الخارجية السعودي، بدا متفائلاً مؤخرًا بشأن فكرة الانضمام إلى الاتفاقات، لكنه أكد أنه يجب إحراز تقدم أولاً في حل الصراع الإسرائيلي الطويل الأمد مع الفلسطينيين.
وقال الأسبوع الماضي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس – سويسرا “لن نتمكن من جني تلك الفوائد ما لم نعالج قضية فلسطين”.
كان بايدن مستعدًا بالفعل لإنهاء عزلة الأمير محمد منذ أكتوبر/تشرين الأول عندما كان يتوقع أن يلتقي بالزعيم السعودي في اجتماع لقادة مجموعة العشرين وعلى الأرجح كان سيقوم بمصافحته شخصياً، لكن الأمير لم يحضر.
أثارت المحطة المخطط لها حديثًا في الرياض، والتي سبق أن أبلغ عنها ديفيد إغناتيوس، كاتب عمود في واشنطن بوست ، انتقادات سريعة من مجموعات حقوق الإنسان، منددين بأي خطوة من شأنها المساهمة في إعادة تأهيل دبلوماسي للأمير محمد بن سلمان.
قالت سوزان نوسيل، الرئيسة التنفيذية لـ PEN America ، وهي مجموعة تدافع عن حرية التعبير في جميع أنحاء العالم: “في الوقت الحالي، يعاني بايدن من أزمات متداخلة، ونتيجة لذلك فإن أولويات حقوق الإنسان لديه بدأت في التلاشي… كلما أصبح من الصعب وضع حقوق الإنسان فوق السياسة، كلما زادت أهمية احتياج العالم إلى قائد على استعداد للقيام بذلك”.
على مدار الأشهر الأخيرة، تبادل البلدان زيارة مسؤولين رفيعي المستوى، كان بريت ماكغورك، منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي لمناقشة الزيارة الرئاسية وقضايا أخرى، بينما زار خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع وشقيق ولي العهد، واشنطن الشهر الماضي والتقى بجيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس.
وبينما كان بايدن يتحرك بالفعل لإعادة ضبط العلاقات مع المملكة العربية السعودية، أصبحت الضرورة أكثر وضوحًا مع هجوم روسيا على أوكرانيا، حيث تشهد العلاقات بين روسيا والسعودية تقارباً ملحوظاً، خاصة كونهما أكبر منتجي النفط في العالم، مما يعني أنه بينما يسعى مسؤولو إدارة بايدن لعزل روسيا، خلصوا إلى أنه لا يمكنهم تحمل الخلاف مع الطرف الآخر: السعودية.
كانت الإدارة سعيدة بانضمام المملكة العربية السعودية إلى قرار للأمم المتحدة تدعمه الولايات المتحدة يدين روسيا في مارس/آذار، وأن الرياض أرسلت مؤخرًا رسالة تضغط على موسكو للإفراج عن الصادرات الغذائية المحاصرة في ميناء أوديسا الأوكراني.
ومع ذلك، لا يزال السعوديون يشعرون بالمرارة من إدارة بايدن، بالإضافة إلى إصدار تقرير خاشقجي ووثائق هجمات 11 سبتمبر، أزالت إدارة بايدن تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن كإرهاب، في تحدي لسياسة عهد ترامب التي كان يشجعها السعوديون.
كما شعرت الرياض بالقلق من تركيز بايدن على تسريع التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، وهي عملية من شأنها أن تقوض نموذج أعمالها، فيما يلوح في الأفق مسعى الإدارة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، الذي يخشى السعوديون أنه قد يقوي أعدائهم الإقليميين.
في مقابلة الشهر الماضي مع عرب نيوز- منفذ إخباري سعودي- عرض الأمير تركي الفيصل- وهو عضو بارز في العائلة المالكة ونجل ملك سابق- عددًا من مظالم المملكة التي تتعرض إليها من حليفهم الأهم -من وجهة نظرهم- قائلاً: شعر السعوديون بـ “خذلان” الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى إزالة تصنيف الحوثيين كإرهابيين، وعدم عقد لقاء مباشر بين بايدن وابن سلمان حتى الآن، استشهد الأمير تركي بإزالة بطاريات الصواريخ الأمريكية من المملكة في وقت كانت تتعرض فيه إلى صواريخ من اليمن، قائلاً “هذا ليس مجرد شيء واحد، بل هي النغمة العامة للجو.”
قد لا يكون لزيادة إنتاج النفط التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية ودول الطاقة الأخرى يوم الخميس تأثير كبير على الأسعار، لكن مسؤولي الإدارة يتوقعون زيادات أخرى في الإنتاج تأتي في سبتمبر/أيلول المقبل، بما يكفي ليكون لها تأثير على السوق.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا