تصنع قطر التاريخ الآن كأول دولة إسلامية تستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم، وهو أمر لم يقبله الكثير في الجانب الآخر من العالم لأسباب عرقية ودينية من الأساس وإن كانت تحت غطاء الحقوق والحريات.

لغة وسائل الإعلام الغربية حول البطولة تزداد شراسة يومًا بعد يوم، حتى أن الخبراء والمحليين يرون أنها تعبر بوضوح عن أجندة عنصرية ومعادية للإسلام وتحاول إحياء روايات “الاستشراق” التاريخية المناهضة للثقافة العربية والإسلامية.

في تصريح خاص لوكالة الأناضول التركية، الخبير السياسي محمد جلال، المحاضر ومقدم بودكاست “المسلم المفكر”، قال إن النقد الغربي لقطر الآن “لا يتعلق بحقوق الإنسان… التناقض في معاييرهم واضح للغاية… روايتهم تستند على روايات الاستشراق القديم، ولكن بطريقة جديدة أُعيدت صياغتها لتتناسب مع الجمهور الحالي”.

وأضاف “بعض الأفكار الاستشراقية القديمة تُطرح الآن وبصورة متكررة في وسائل الإعلام… يُصور العرب والمسلمون على أنهم مفيدون فقط لإنتاج النفط وإنفاق مبالغ طائلة في العواصم الغربية”.

وتطرق جلال إلى التأثير السلبي للروايات الإعلامية الغربية على سمعة المسلمين، فقال: “حين توجد صحافة تصفك باستمرار بأنكم لصوص وإرهابيين وقتلة ومجتمعات لا تتمتع بصفات الحضارة الأساسية التي يتمتع بها الأوروبيون، إذن، بمرور الوقت، لن يراك الجمهور الأوروبي إلا بهذه الطريقة أحادية البعد”.

التحكم في الوعي الجمعي

وصف جلال معظم عناوين وسائل الإعلام حول قطر بـ “الموجهة وغير الدقية”، إذ سلط الضوء على غلاف المجلة الأسبوعية الفرنسية الساخرة “لو كانار إنشين” الذي يظهر لاعبي كرة القدم القطريين على أنهم إرهابيون يمسكون بنادق وأسلحة بأيديهم

وتابع أن هذا النوع من خطاب الكراهية تعتمد عليه وسائل الإعلام الغربية بشدة لهدف أساسي وهو “التأثير على الوعي الجمعي” للجماهير الغربية والتحكم في نظرتهم للعرب والمسلمين، مضيفًا أن حوالي نصف عناوين الصحف الغربية حول البطولة تتناول مواضيع أخرى غير كرة القدم.

نقلاً عن استطلاع قبل البطولة في المملكة المتحدة، قال جلال إن حوالي 62٪ من الجمهور البريطاني كانوا يرون أن قطر لم تكن تستحق تنظيم هذا الحدث الضخم فقط بسبب موقفها من المثليين، وهو أمر روج له الإعلام الغربي على مدار السنوات الماضية من أجل الوصول لهذه النتيجة.

فرض القيم الغربية بالإجبار

وقال جلال إن المونديال تحول إلى فرصة لمحاولة فرض الثقافة والقيم الأوروبية بدلًا من التعامل معه على أنه حدث رياضي، مشيرًا إلى واقعة مشجع بريطاني حاول دخول الاستاد لحضور مباراة وهو مرتديًا زي الحملات الصليبية.

وتابع قائلًا إن هذا التصرف بدلًا من استهجانه في وسائل الإعلام الغربية باعتباره استفزازيًا لمشاعر مواطني البلد المضيف، قالت قناة توك تي في، وهي قناة بريطانية يمينية “يا له من رجل شجاع! لقد ذهب إلى قطر والآن يظهر لهم الروح الإنجليزية”، مؤكدًا أن تصرف الرجل غير مقبول كونه يستحضر ذكرى احتلال القدس في القرن الحادي عشر.

وأضاف “لن تجد عربي أو مسلم يأتي إلى بريطانيا بتأشيرة سياحية أو لدعم فريق كرة قدم ويشوه ثقافة وتاريخ الشعب البريطاني، لكن في المقابل إذا تصرف شخص بريطاني وأوروبي بهذه الطريقة المشينة نجد أن إعلامهم يشجعهم ويحتفي بهم”.

العمال المهاجرون

ملف انتهاكات حقوق العمال كان من الملفات الشائكة التي استغلها الناقدين بصورة كبيرة من أجل منع إقامة المونديال في قطر، وبالرغم من أنه توجد بعض الحقيقة في هذه الانتقادات -على حد قول جلال-، فإن الإحصاءات المُعلن عنها حول العمال الذين فقدوا حياتهم في بناء الاستادات “مضللة ومبالغ فيها”.

يُقال إن حوالي 6500 عامل مهاجر من باكستان وسريلانكا ونيبال والهند وبنغلادش لقوا حتفهم، وبالرغم من عدم وجود مصادر دقيقة لهذه الأرقام، فإن المنصات الغربية تتبنى هذا الرقم وتروج له بقوة.

ولفت جلال أن قطر شهدت وفاة 6500 من الأجانب، لكنهم من مهن مختلفة كالأطباء والمعلمين والمهندسين وغيرهم، وفي مناسبات مختلفة تمامًا عن بناء الاستادات أو التحضير لكأس العالم، مستشهدًا ببحث أعده الباحث مارك أوين جونز- أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة حمد بن خليفة في قطر.

وتطرق جلال إلى ازدواجية معايير إذاعة بي بي سي البريطانية في التعامل مع الحدث، قائلًا إن الإذاعة لم تتوقف عن انتقاد قطر فيما يتعلق بحظر ممارسة المثلية الجنسية وغيرها من الملفات ولم تبث على حفل افتتاح كأس العالم الذي أشاد به الجميع، لكنها في المقابل بثت على الهواء مباشرة سابقًا أحداثًا مماثلة أُقيمت في روسيا والصين أصحاب السجلات السيئة في مجال حقوق الإنسان بشكل عام والأقليات بشكل خاص.

وأضاف “ما يصل إلى 2 مليون من الأويغور يقبعون حاليًا فيما يسمى بمعسكرات إعادة التدريب في الصين، والتي تعتبر معسكرات الإبادة الجماعية، لكن حين استضافت الصين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022 لم تتحدث المنصات الغربية عن هذه الانتهاكات وركزت فقط على الحدث الرياضي”، متابعًا “وحين استضافت روسيا بطولة كأس العالم 2022 تغافل الإعلام الغربي عن انتهاكات روسيا وجرائمها الوحشية حول العالم… هذه ازدواجية في المعايير”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا