التمرد الحوثي في اليمن لا يشكل أي تهديد على أمن السودان أو مصالحه الوطنية، كما أنه لا يوجد أي تاريخ عدائي بين السودان وبين أي جماعة من جماعات اليمن، بل إن وصول الحوثيين إلى السلطة في صنعاء وسيطرتهم على أجزاء أخرى في اليمن منذ حوالي خمس سنوات لم يشكل أي قلق يذكر بالنسبة للمواطنين السودانيين.

على الرغم من ذلك ، منذ أن بدأ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الهجوم العسكري على اليمن في مارس/آذار 2015، والمستمر حتى الآن، لعبت السودان دوراً أساسياً في ذلك الصراع، بدعمهم التحالف العربي بقوى عسكرية ذات خبرة قتالية واسعة، حيث تم إمدادهم بالقوات التي شاركت في حرب دارفور، ليتراوح عدد القوات السودانية المتواجدة في اليمن ما بين 8000 إلى 14000 من المرتزقة السودانيين، من بينهم أطفال مجندين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً.

مشاركة السودان في التحالف العربي لم يكن ورائها إلا الحاجة إلى المال، فالقوات السودانية شبه العسكرية وافقت على القتال في اليمن والمشاركة في الحرب الأهلية بسبب المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الداخل السوداني، وهو ما استغلته دول الخليج المشاركة في التحالف بصورة جيدة، حيث تقوم بدفع تعويضات مالية للمرتزقة السودانيين والجنود الأطفال تصل إلى 10,000 دولار للمشاركة في الحرب التي تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ولعل هذا ما جعل عدد الضحايا السعوديين والإماراتيين منخفضًا نسبيًا ولكن على حساب مئات السودانيين الذين فقدوا حياتهم في هذه الحرب.

ينتمي العديد من المقاتلين السودانيين في اليمن إلى ميليشيات الجنجويد، والمؤلفة من عرب من غرب السودان وجنود من شرق تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، تم تكوينها في منتصف الثمانينات، إلا أنهم اكتسبوا اهتماماً عالمياً بعد أن استعانة نظام عمر حسن البشير بهم لمحاربة الجماعات المسلحة في دارفور خلال العقد الأول من القرن العشرين.

ميليشيات الجنجويد قاموا بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان وجرائم كبرى في دارفور، أدت إلى قيام المحكمة الجنائية الدولية باتهام البشير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية، وبحسب تصريحات لنبيل خوري- عضو المجلس الأطلسي فإن “أسوأ وأفقر العناصر في السودان توجهت للقتال في اليمن طمعاً في الرواتب السعودية/الإماراتية، بالإضافة إلى فتح الأبواب أمام المرتزقة من الدول الأفريقية الأخرى للانضمام إلى الحرب اليمنية”.

خدم الانضمام إلى التحالف العربي المصالح الجيوسياسية للبشير، لا سيما بعد اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي في مايو ويونيو 2017، بعد أن قطعت السعودية والإمارات العلاقات مع قطر، فمن جهة كان البشير لدية شراكة قوية مع الدوحة، ومن جهة أخرى كان عليه الحفاظ على علاقات جيدة مع السعوديين والإماراتيين، وهو ما استطاع البشير تحقيقه، حيث رفض دعم الحصار على قطر، وقام بقطع العلاقات مع إيران ودعم التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في اليمن.

من ناحية أخرى، كان قرار البشير بإبقاء السودان في التحالف العربي أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في إنهاء حكمه الذي استمر ثلاثة عقود في أبريل/نيسان الماضي، فإلى جانب الغضب الشعبي الكبير الناجم عن انتشار الفساد والفقر والبطالة، لاقى دور السودان في صراع اليمن معارضة واسعة النطاق خلال 2018/2019، وسيظل استمرار البلاد في تلك الحرب نقطة خلاف خلال فترة الانتقال المتوترة.

قام أعضاء الجنجويد السابقون الذين ينتمون الآن إلى قوات الدعم السريع باستخدام القوة المميتة والعنف ضد المتظاهرين في الخرطوم في 03 يونيو/حزيران الجاري، وقد أفادت التقارير أن تلك الحملة القمعية جاءت بعد اجتماعات تمت بين مسؤولين رفيعي المستوى في المجلس العسكري الانتقالي ونظرائهم في الرياض والذين أعطوا الضوء الأخضر للحكام العسكريين في السودان لاستخدام مثل هذا العنف في فض الاعتصام، لتصبح قوات الدعم السريع كوكيل للسعودية والإمارات في السودان واليمن.

يواصل المواطنون السودانيون المطالبة بالحكم المدني وتطبيق الديمقراطية والشفافية وحماية حقوق الإنسان بمواجهة الطغمة العسكرية التي أبدت استعدادها لقمع وتعذيب واغتصاب المتظاهرين العزل الذين أصبحوا على دراية تامة بمقدرات بلادهم وإمكانياتها، والمحبطين من النظام السابق الذي عاشوا في ظله في عقود من الفساد وسوء الإدارة والنزاعات المسلحة التي لا نهاية لها والتي أعاقت تطور البلاد.

السودان غني الموارد الطبيعية، لديه موارد زراعية يمكن أن تغذي معظم العالم العربي مع تلبية الاحتياجات الأساسية في الداخل، ومع ذلك، وبسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي يعاني منها السودان الآن، والتي تفاقمت بسبب العقوبات الأمريكية، خلص عشرات الآلاف من السودانيين إلى أن أفضل خيار لهم هو التقاط السلاح للقتال في صراع وحشي لا ناقة للسودان فيه ولا جمل.

دول الخليج العربي المشاركة في الحرب اليمنية أصبحت متأكدة الآن أنه إذا تم تسليم السلطة للمدنيين في السودان، فسوف تتخذ تلك السلطات قرارها بانسحاب السودان من التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، لذلك، نجد أن السعودية والإمارات يقدمان الدعم “المادي” الكبير للحكومة السودانية الحالية “المؤقتة” لضمان إحكام قبضتها على السلطة، وهو الدعم الذي ستحصل عليه أي حكومة في الخرطوم ستعلن تأييدها للسعودية والإمارات.

لقد حدث هذا السيناريو في مصر من قبل، حيث دعم القادة السعوديون والإماراتيون نظام عبد الفتاح السيسي كخيارهم الوحيد الذي يمكن أن ينفذ مخططاتهم، وهو ما يخشاه الكثير من السودانيين، فشبح أن تتحول بلادهم إلى الحال التي عليه مصر الآن يؤرقهم، خاصة وأن بعض دول مجلس التعاون الخليجي تشعر بالقلق إزاء صعود الإسلاميين إلى السلطة في السودان ما بعد البشير.

إذا استمرت الحرب الأهلية اليمنية، فمن المرجح أن يستخدم السعوديون والإماراتيون نفوذهم المالي للسيطرة على الحكام العسكريين السودانيين لضمان استمرار المزيد من المرتزقة السودانيين والجنود الأطفال في القتال ضد المتمردين الحوثيين، وفي الوقت ذاته، فإن الدعم الذي تقدمه دول الخليج إلى المجلس العسكري الانتقالي سوف يشجع السلطات العسكرية السودانية الاستمرار في حملتها القمعية ضد النشطاء والمعارضين والحركات الشعبية.

 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا