العدسة – أحمد عبدالعزيز

حائر ومرتبك وقليل الحيلة، هكذا يمكن وصف حال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الأزمة الكورية الشمالية، التي بات عاجزا عن إيجاد حل حاسم ونهائي لها.

فالرجل الذي لا يجيد التصرف مع الشاب المتهور “كيم جونج أون” زعيم كوريا الشمالية، اعتاد أن يلقي باللوم على الآخرين لتبرير سبب تفاقم الأزمة النووية الوشيكة التي قد تهدد العالم أجمع – وعلى رأسه الولايات المتحدة- في أي لحظة…

فحينا يتهم الصين وروسيا بالسبب في هذا التدهو، وحينا آخر يتهم الرؤساء السابقين للولايات المتحدة بأنهم فشلوا في التعامل مع قضية كان يجب أن تحل في الماضي، وحينا يهدد كوريا الشمالية بشكل صريح، ويرسل قطعا بحرية بالقرب من مياهها الإقليمية، وحينا آخر يطالبها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل سملي!.

وقد كشف المؤتمر الصحفي الذي عقده ترامب مع نظيره الكوري الجنوبي “مون جاي إن”، في العاصمة سيول، مدى هذا التخبط والارتباك، الذي يعانيه الرئيس الأمريكي بشأن كوريا الشمالية.

” دونالد ترامب “

الرؤساء السابقون

لا يكاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يترك مناسبة إلا وتحدث فيها عن فشل الرؤساء السابقين للولايات المتحدة، خاصة باراك أوباما، لتبرير الأزمات التي تواجهه حاليا على الصعيدين الداخلي والخارجي.

حيث حرص خلال مؤتمره مع مون، على لوم الرؤساء السابقين، مؤكدا أنهم تركوا له تركة محملة بالكثير من المتاعب، مثل قضية كوريا الشمالية التي لاتزال تهديدا قائما وخطيرا، بالرغم من مرور العديد من السنوات على نشوبها، مؤكدا أن مثل هذه القضايا كان يجب أن تحل في الماضي، لا أن تبقى مستمرة حتى تصل إليه في الوقت الحاضر.

واعتبر ترامب أنه ليس من المناسب حل قضية بحجم كوريا الشمالية في الوقت الحاضر، ولكن “هذا ما حصلت عليه في النهاية”، لافتا إلى أنه بات مضطرا للتعامل مع هذه الأزمة الخطيرة.

إلا أن حديثًا بهذا الشكل من رئيس مثل ترامب، الذي اعتاد دائما على التباهي بقدراته على حل كل شيء ومواجهة كل شيء بحلول سريعة وناجزة، والتباهي بذكائه وجرأته، يكشف إلى أي مدى وصل عجز الرئيس الأمريكي عن حل هذه المسألة، وشخصيته الحقيقية التي اتضحت أمام المسائل الكبيرة التي لا ينفع معها “الصوت العالي”.

رؤساء “الولايات المتحدة” السابقين

طاولة مفاوضات مسلحة!

التناقض بان كذلك في حديثه عن دعوة كوريا الشمالية إلى الجلوس إلى طاولة  المفاوضات، في الوقت الذي يرى فيه أن تهديدها واستعراض القوة الأمريكية أمام شواطئها بات أمرا واجبا.

في البداية قال ترامب: إن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام كامل قوتها لمنع كوريا الشمالية من شن أي هجوم نووي، لافتا إلى أن أمريكا سبق وأرسلت ثلاثة من أكبر حاملات الطائرات في العالم إلى شبه الجزيرة الكورية، بالإضافة إلى تمركز غواصة نووية بالقرب من المياه الإقليمية لبيونج يانج، وهي القطع التي ستشارك في تدريبات عسكرية كبيرة مع سول في الأيام المقبلة.

كما أعلن الرئيس الكوري الجنوبي أنه سيتم إلغاء معاهدة ثنائية بين أمريكا وكوريا الجنوبية، كانت تحد من وزن ومدى الصواريخ البالستية التي تصنعها كوريا، والهدف من هذا الإلغاء هو مساعدة كوريا الجنوبية على تعزيز قدراتها الدفاعية إلى مستويات غير مسبوقة، في مواجهة جارتها الشمالية.

وأضاف أنه سيكون بإمكان كوريا الجنوبية شراء المزيد من الأسلحة من الولايات المتحدة لخفض العجز التجاري بين البلدين.

وهي تصريحات اعتبرت تشجيعا أيضا لليابان، لشراء مزيد من الأسلحة الأمريكية لمساعدة اليابان على إسقاط الصواريخ الكورية الشمالية ومواجهتها في حال تعرضت لأي تهديد.

وبالرغم من كل هذا التهديد باستخدام القوة مع بيون يانج، إلا أن ترامب حرص على القول بأنه يأمل في ألا تضطر الولايات المتحدة إلى استخدام القوة العسكرية الكبيرة التي تمتلكها في شبه الجزيرة الكورية لإنهاء هذه الأزمة.

إلا أن المدهش وبشكل أكبر، هو إصرار ترامب على أنه “يحقق نجاحا كبيرا في القضية” رغم كل هذا الارتباك!.

“ترامب” و رئيس كوريا الجنوبية

روسيا والصين

وبالرغم من تصريحاته السابقة التي اعتاد فيها أن يهاجم “من يساعدون كوريا الشمالية”، في إشارة إلى كل من روسيا والصين، إلا أن نبرة ترامب تغيرت إلى حد كبير عندما سئل خلال المؤتمر عن دور الرئيس الصيني في الأزمة، حيث أكد أن الرجل “متعاون بشكل كبير”، وسوف تثبت الأيام المقبلة حجم هذا التعاون بشأن قضية بيونج يانج.

وأضاف أن بكين تسعى جاهدة لحل المشكلة مع بيونج يانج، وتابع قائلا “إذا استطعنا إقناع الصين وروسيا، فأعتقد أن الأمور ستسير بشكل سريع نحو الحل”.

فيما قال الرئيس الكوري الجنوبي: إن التعاون بين الولايات المتحدة والصين أمر ضروري للعمل على تفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية بالكامل.

وينتظر أن يلتقي ترامب بنظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال الأيام المقبلة، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ “أبيك”، حيث أعرب ترامب عن أمله في أن يتلقى مساعدة روسية بشأن حل أزمة كوريا الشمالية، كاشفا أنه قد يدرج كوريا الشمالية في قائمة “الدول الراعية للإرهاب”.

“بوتين” و نظيره الصيني

البطل الخارق

ولم ينس الرجل الذي اعتاد أن يظهر نفسه في ثياب البطل الخارق الذي جاء لينقذ العالم بفطنته، من أن يستجدي المجتمع الدولي لبذل مزيد من الجهود لمواجهة جنون كوريا الشمالية.

ودعا ترامب خلال المؤتمر، من وصفهم بـ”الدول المسؤولة”، بما في ذلك الصين وروسيا، إلى التدخل لمطالبة زعيم كوريا الشمالية لإنهاء برنامجه النووي والاندماج في المجتمع الدولي كدولة طبيعية، مؤكدا أن الوقت قد حان للعمل بشكل عاجل وبتصميم أكبر لتحقيق هذا الهدف الهام.

وقال: إن على جميع الدول الانصياع لقرارات مجلس الأمن الدولي، التي تنص على وقف التجارة والتعاون بشكل تام مع كوريا الشمالية، مضيفا: “من غير المعقول أن تساعد الدول على تمويل مثل هذا النظام الذي يشكل خطورة بالغة على الجميع”.

“ترامب” البطل الخارق

احتفال من نوع خاص

على الجانب الآخر، يبدو أن كوريا الشمالية تريد الاحتفال بزيارة ترامب إلى آسيا على طريقتها الخاصة، حيث نقل مراسل (سي إن إن) في بيونج يانج، أن كوريا الشمالية سوف تبعث رسالة “واضحة إلى دونالد ترامب” بالتزامن مع زيارته، خاصة بعدما اقتربوا كثيرا من إنهاء برنامج الصواريخ العابرة للقارات.

وقال المراسل: إن المسؤولين في كوريا الشمالية، يشعرون بأنهم قريبون للغاية من إكمال برنامج الصواريخ العابرة للقارات، الذي سيسمح لهم بتهديد الولايات المتحدة.

وأضاف: إن المسؤولين الكوريين يرون أن عليهم إجراء بعض الاختبارات الصاروخية بعيدة المدى، بهدف إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة للتعرف على القدرات الحالية والحقيقية لبيونج يانج، مؤكدا أن تلك الاختبارات من غير المعروف توقيت إجرائها بالتحديد، إلا أنه قال في الوقت ذاته: إن المسؤولين في كوريا الشمالية يريدون أن يُجروا مقارنة عملية بين قواتهم وقوات أمريكا التي بدأت تدريبات بحرية قرب شواطئ شبه الجزيرة الكورية.

وتكشف كل هذه التحركات والتصريحات التي لا تسير في سياق واحد واضح، أن الرئيس الأمريكي حائر بشدة بشأن قضية كوريا الشمالية، ولا يدري ما عليه فعله لوقف جماح هذا الشاب المتهور، وهو ما يكشف أيضا أن القضية ستسير خلال الفترة المقبلة لا كما تريد وتحب أمريكا، وإنما ستسير كما يشتهي كيم جونج أون، الذي لا يأمن العالم جنونه!