إبراهيم سمعان

على الرغم من عزلته، فإن الرئيس الأمريكي لديه عدة أوراق رابحة لتنفيذ خطته تجاه إيران، التي يتهمها بزعزعة الأمن والاستقرار ويزيد من الضغوط عليها منذ وصوله إلى البيت الأبيض، بيد أنه يفتقر إلى الوسائل اللازمة لتنفيذ ذلك.

 

فعلى المستوى الدولي، ليس لدى الرئيس الأمريكي سوى هوس واحد: إيران، وبالنظر إلى أن الأزمة مع كوريا الشمالية على وشك تسويتها منذ لقائه مع كيم جونغ أون في سنغافورة يونيو الماضي، يستم ترامب في توجيه كل الاتهامات والتهديدات للجمهورية الاسلامية.

 

ظهر ذلك بشكل واضح يوم الاثنين خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخلال ترأسه اجتماع مجلس الأمن بشأن عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، حيث كان الهدف واضح: مستأجر البيت الأبيض يريد أن يخضع إيران، كما أنه يعتقد أنه أخضع كوريا الشمالية. وفقا لـ” لوريون لو جور”.

منذ وصوله إلى السلطة انتقد دونالد ترامب مرارا وتكرارا الاتفاق النووي الذي وقع بين إيران ومجموعة 5 + 1 (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا)، وصرخ مرة أخرى أمام مجلس الأمن “في السنوات التي أعقبت التوقيع على الاتفاقية، ازداد عدوان إيران فقط”.

 

قرر في مايو الماضي انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق وإعادة العقوبات ضد الجمهورية الإسلامية، وأكد في خطابه أن العقوبات سيتم إعادتها “كاملة” أوائل نوفمبر المبل وسيتبعها إجراءات عقابية جديدة “أكثر صعوبة من أي وقت مضى لمواجهة سلوك إيران” التي اتهمها مجددا بزعزعة استقرار الشرق الأوسط.

 

لكن ليس من المستغرب أن يجد الرئيس الأمريكي نفسه معزولا في خطابه الدامغ أمام أعضاء مجلس الأمن والمشاركين في التوقيع على الاتفاقية، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعاد تأكيد موقف بلاده والاتحاد الأوروبي بشأن هذه المسألة.

وقال “علينا أن نبني معا استراتيجية طويلة الأجل لإدارة هذه الأزمة التي لا يمكن اختزالها إلى سياسة العقوبات والاحتواء”، وفي السياق ذاته، قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إن الصفقة “لا تزال أفضل طريقة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي ونحن ملتزمون بالحفاظ عليه طالما أن إيران تواصل تنفيذ التزاماتها بالكامل”.

 

لم يتغير الموقف الأوروبي قيد أنملة منذ عام، وإذا كانت دول الاتحاد تتفق مع ترامب على ضرورة مراقبة الأنشطة البالستية والسياسة الإقليمية الإيرانية، فإن موقف الرئيس الأمريكي المتشدد قد يدفع الأوروبيين، الذين يسعون الآن إلى تسوية مقبولة، للوقوف إلى جانب الروس والصينيين الذين ينتقدون الأحادية الأمريكية.

 

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف “في الحقيقة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية يمثل تهديدا لمعاهدة عدم الانتشار النووي” وحذر من أنه إذا لم ننقذ اتفاق 2015، “من الممكن أن تتصاعد التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.

وزير الخارجية الصيني وانغ يي قال إن الاتفاق مع إيران في عام 2015 “كان صعب المنال”، إنه يمثل “انتصاراً لتعددية الأطراف، ويساهم في السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وأيده مجلس الأمن بالإجماع”، كما أصر على أنه “لا يوجد اتفاق دولي مثالي”.

 

الجزرة والعصا

تكرار دونالد ترامب نفس الأساليب التي يتبعها مع كوريا الشمالية، يريد من خلالها استخدام الجزرة والعصا من أجل إبرام صفقة أفضل مع إيران، فهو يندد ويهدد الجمهورية الإسلامية ويعرض الجلوس على طاولة واحدة.

 

هذه الازدواجية أكدها الرئيس الايراني حسن روحاني الذي قال: من المفارقات أن الولايات المتحدة لا تحاول حتى إخفاء خطتها للإطاحة بالحكومة حتى وهي تدعو إلى المحادثات، وقبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك اتهم حسن روحاني واشنطن بالرغبة في “الإطاحة” بنظام طهران على الرغم من مقترحاتها للحوار.

 

الرئيس الإيراني وصف موقف دونالد ترامب بالـ”سخيف”، حيث إنه دعا في وقت سابق أمام الأمم المتحدة، العالم إلى “عزل” النظام الإيراني “الفاسد”.

 

لكن إذا كان بعض مسئولي إدارة ترامب، مثل جون بولتون (مستشار الأمن القومي) ومايك بومبيو (وزير الخارجية)، يخفون رغبتهم بالكاد في إسقاط النظام الإيراني، يبدو أن المكتب البيضاوي مهتم أكثر بالتوصل إلى تسوية ثنائية للأزمة، الأمر الذي من شأنه فرض شروط على طهران.

 

وتقول إدارة ترامب إنها لا تسعى لـ”تغيير النظام”، ويجادلون بأن الهدف هو تغيير سياسة النظام، ولكن في طهران ليس هناك فرق بين الاثنين لكما يقول نايسان رأفاتي، الخبير في الشأن الإيراني في مجموعة الأزمات الدولية.

 

“مواجهة غير مباشرة”

وعلى الرغم من عزلته في مجلس الأمن، الرئيس الأمريكي لديه العديد من الأوراق في جعبته لخنق طهران، فالأوروبيون يسعون إلى وضع آلية للالتفاف على العقوبات الأمريكية، لكنها بطيئة، وقد غادرت بالفعل العديد من الشركات الكبيرة، بما فيها توتال، السوق الإيرانية.

 

كما يستطيع دونالد ترامب الاعتماد على دعم حلفائه الإقليميين، إسرائيل والمملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذين يشاركونه رغبته في وقف “التهديد” الإيراني، علاوة على ذلك  أكدت الولايات المتحدة مؤخراً بصوت مايك بومبيو أنهم سيبقون في سوريا إلى أن يغادر الإيرانيون.

 

ويشير رأفاتي إلى أنه “على نحو متزايد تواجه إيران والولايات المتحدة بعضهما بعضاً في العديد من المسارح الإقليمية مثل سوريا واليمن أو العراق، لكن من المرجح أن واشنطن تفتقر إلى الوسائل اللازمة لتنفيذ خطتها.”