في خطوة مثيرة للجدل وتفتح الباب على مصراعيه لنزاع قانوني وسياسي، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، أمرا تنفيذيا وصفه بالـ”إصلاحي”، يستهدف النظام الانتخابي في البلاد، واضعا قيودًا جديدة على التصويت عبر البريد ومتطلبات أكثر صرامة لتسجيل الناخبين. 

الإجراء الذي يرى فيه الجمهوريون “تصحيحًا لمسار انتخابي منحاز”، أثار عاصفة من الانتقادات من قبل خبراء قانونيين ومنظمات حقوقية، واعتبره البعض تهديدًا مباشرًا لأسس الديمقراطية الأميركية.

“إصلاح” انتخابي أم انقلاب تنفيذي؟

جاء الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب تحت عنوان فرض “ضوابط أساسية لحماية العملية الانتخابية”، متضمنًا بنودًا مثيرة للجدل، مثل مطالبة الناخبين بإثبات الجنسية الأميركية عبر مستندات رسمية كجواز السفر أو رخصة القيادة، واشتراط تبادل الولايات لقوائم الناخبين مع الوكالات الفيدرالية، إضافة إلى معاقبة الولايات التي لا تلتزم بالتعليمات عبر تعليق التمويل الفيدرالي المخصص للعملية الانتخابية.

ووفقًا لنص القرار، فإن ترامب يعتبر أن “الولايات المتحدة فشلت في تطبيق الحد الأدنى من معايير الحماية الانتخابية”، مطالبًا بتغييرات جذرية لضمان نزاهة التصويت، وعلى رأسها التشديد على التصويت الحضوري والحد من التصويت عبر البريد، الذي طالما شكك ترامب في نزاهته دون تقديم أدلة ملموسة.

لكن محللين قانونيين، من أبرزهم البروفيسور ريك هاسن من جامعة كاليفورنيا، وصفوا القرار بـ”الخطير”، محذرين من أنه قد يحرم ملايين الأميركيين من حقهم في التصويت، لا سيما الفئات التي لا تمتلك بسهولة مستندات رسمية كجواز السفر.

وكتب هاسن في مدونته المتخصصة “قانون الانتخابات” أن ما حدث هو “انقلاب تنفيذي”، مضيفًا: “تنظيم الانتخابات هو اختصاص الولايات، وليس من سلطة الرئيس فرض هذه القيود”.

تهديد مباشر للتصويت عبر البريد وتلويح بالعقوبات

إحدى النقاط الأساسية في القرار التنفيذي تتمثل في مهاجمة آلية التصويت عبر البريد، والتي كانت محور اتهامات ترامب في انتخابات 2020 التي خسرها لصالح جو بايدن. 

وينص القرار على اتخاذ “إجراءات مناسبة” ضد الولايات التي تحتسب بطاقات اقتراع مرسلة بالبريد تصل بعد يوم الانتخابات، حتى لو كانت مختومة قبل إغلاق صناديق الاقتراع، وهو أمر معمول به في العديد من الولايات.

ويرى منتقدو القرار أن هذا البند يمثّل خرقًا صارخًا لمبدأ “الفيدرالية” الذي تقوم عليه البنية السياسية للولايات المتحدة، حيث أن لكل ولاية حقًا دستوريًا في إدارة انتخاباتها. 

وأكد مركز “برينان” للعدالة في جامعة نيويورك أن “هذا القرار يمكن أن يمنع عشرات الملايين من الأميركيين من التصويت”، مضيفًا أن “الرؤساء لا يملكون الصلاحية لفرض مثل هذه القيود”.

بدورها، أبدت منظمة “الاتحاد الأميركي للحريات المدنية” (ACLU) استياءها الشديد، معتبرة أن القرار يمثل “سوء استخدام فاضحًا للسلطة”، معلنة نيتها الطعن فيه قضائيًا. وقالت المنظمة في بيان إن ترامب “يسعى للعبث بنظام التصويت بهدف السيطرة، لا الإصلاح”، مؤكدة أن “مثل هذه الخطوات لا تهدد فقط حقوق الناخبين بل تفتح المجال لمستقبل انتخابي أكثر تقييدًا وتسلطًا”.

ترامب يصعّد خطابه: “البلاد مريضة… والانتخابات مزورة”

أثناء توقيع القرار في البيت الأبيض، أطلق ترامب كعادته تصريحات مثيرة، فقال: “ربما يعتقد البعض أنه لا ينبغي علي أن أشتكي لأننا فزنا بأغلبية ساحقة”، في إشارة إلى انتخابات 2020، قبل أن يضيف: “لكن علينا إصلاح نظامنا الانتخابي. هذا البلد مريض للغاية بسبب الانتخابات… الانتخابات المزورة”، مؤكدًا أن “علينا إصلاحه بطريقة أو بأخرى”.

هذه التصريحات تأتي في سياق سعي ترامب لاستعادة الزخم السياسي، استعدادًا للانتخابات الرئاسية المقبلة، مستندًا إلى قاعدته الجماهيرية التي ما تزال مؤمنة برواية “السرقة الانتخابية” رغم عدم وجود أدلة قانونية على تزوير واسع النطاق.

ويرى مراقبون أن توقيت القرار التنفيذي ليس عفويًا، بل يأتي كجزء من استراتيجية سياسية تهدف إلى تعبئة القاعدة الانتخابية المحافظة، واستباقًا لأي نتائج انتخابية مستقبلية قد لا تكون في صالح ترامب أو حزبه. 

لكنهم يحذرون في الوقت نفسه من أن هذا القرار قد يؤدي إلى انقسامات أعمق في المجتمع الأميركي، خاصة إذا ما تم تطبيقه على أرض الواقع دون سند قانوني واضح.

نهاية مفتوحة لصراع انتخابي طويل

في النهاية، يبدو أن توقيع ترامب على هذا الأمر التنفيذي ليس سوى فصل جديد في معركة مستمرة حول شكل النظام الانتخابي الأميركي وحدود السلطة الفيدرالية. 

فبينما يراه الجمهوريون محاولة مشروعة “لتأمين الانتخابات”، يراه الديمقراطيون وحقوقيون انقلابًا على الديمقراطية نفسها.

وفي ظل التهديدات القضائية والتحذيرات من تجاوزات دستورية، يبدو أن القرار التنفيذي سيكون موضع معركة قانونية وسياسية طويلة الأمد، تهدد بإعادة إشعال الجدل حول شرعية الانتخابات في أمريكا. 

وربما لا يكون الهدف هو إصلاح النظام بقدر ما هو محاولة أخرى من ترامب لتأجيج الخطاب الشعبوي والعودة إلى الواجهة عبر بوابة “الانتخابات المزورة”.

اقرأ أيضًا : نتنياهو يتحدى المحكمة العليا.. وتظاهرات عارمة بتل أبيب