كشفت صحيفة الغارديان عن التنسيق الوثيق بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين من غزة وإعادة تشكيل القطاع بما يخدم المصالح الإسرائيلية. وأوضحت الصحيفة البريطانية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في القدس أن حكومته تعمل بشكل مكثف مع واشنطن لتحويل رؤية ترامب إلى واقع، رغم الإدانات الدولية الواسعة التي وصفت هذه الخطة بأنها مخطط تطهير عرقي.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التحركات السياسية والعسكرية تزامنت مع وصول شحنة جديدة من القنابل الأمريكية الثقيلة إلى إسرائيل، والتي كان قد تم تعليقها سابقًا من قبل إدارة بايدن بسبب مخاوف من استخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين، قبل أن يقوم ترامب برفع الحظر عنها فور توليه منصبه.
وفي اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في القدس هذا الأحد، أكد الطرفان التزامهما المشترك بتنفيذ خطة الرئيس دونالد ترامب الخاصة بغزة، والتي تتضمن امتلاك الولايات المتحدة للقطاع، وتهجير أكثر من مليوني فلسطيني منه، وإعادة تطويره ليصبح “منتجعًا سياحيًا”.
نتنياهو، في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع الذي استمر أكثر من ساعة، أوضح أن حكومته تعمل بشكل وثيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة لضمان تنفيذ هذه “الرؤية الجريئة”. ولم يكشف رئيس الوزراء الإسرائيلي عن تفاصيل محددة للخطة، لكنه استخدم عبارات تصعيدية مثل “فتح أبواب الجحيم على غزة”، وهو تعبير سبق أن استخدمه ترامب نفسه، في حال لم يتم الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية.
من جانبه، وصف روبيو الخطة بأنها “انتصار استراتيجي”، مضيفًا أن المفاجأة التي أثارتها لا ينبغي أن تحجب ضرورتها، حيث قال: “لا يمكننا الاستمرار في تكرار نفس السيناريو والعودة إلى نفس النقطة”. لم يسمح نتنياهو وروبيو للصحفيين بطرح الأسئلة خلال المؤتمر، في خطوة تعكس حساسية الموضوع وعدم الرغبة في مواجهة انتقادات علنية.
في سياق متصل، صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن “عملية نقل الفلسطينيين من غزة يجب أن تبدأ قريبًا”، متوقعًا أن يتم تسريع التهجير من خلال استئناف القصف. في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية، قال سموتريتش: “إنها عملية ستبدأ ببطء، لكنها ستتسارع مع الوقت. في نهاية المطاف، لن يبقى للفلسطينيين أي شيء في غزة خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة القادمة”. وأضاف سموتريتش: “بعد أن نعيد القتال، وتتحول غزة بالكامل إلى ما يشبه جباليا، لن يكون لديهم أي خيار سوى الرحيل”. تصريحاته تعكس النهج الإسرائيلي القائم على التدمير الممنهج لدفع الفلسطينيين نحو الخروج القسري، وهو ما يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية وفقًا للقانون الدولي.
الخطة الإسرائيلية-الأمريكية، التي تعتمد على إفراغ غزة من سكانها، تواجه تحديات قانونية دولية كبيرة، خاصة وأن المحكمة الجنائية الدولية تدرس بالفعل قضية تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، في حين أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بالفعل مذكرات اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ومع تصاعد الضغط القانوني، هاجم نتنياهو المحاكم الدولية، واصفًا جهودها بـ “حرب قانونية” تهدف إلى تقويض إسرائيل، مؤكدًا أن هناك تنسيقًا مع إدارة ترامب لاتخاذ خطوات مشتركة لمواجهة هذه المحاكم وشلّ قدرتها على ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين.
في هذه الأثناء، وبالتزامن مع التصعيد الخطابي الأمريكي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وصلت شحنة جديدة من القنابل الأمريكية الثقيلة إلى إسرائيل، وهي جزء من مساعدات عسكرية تم تعليقها سابقًا من قبل إدارة بايدن بسبب مخاوف من استخدامها في استهداف المدنيين. الشحنة، التي تضم 1800 قنبلة من طراز MK-84، تزن كل واحدة منها طُنًّا، وصلت إلى ميناء أشدود ليلة السبت، بعد أن رفع ترامب الحظر عنها فور توليه منصبه. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس قد أصدر بيانًا صباح الأحد، أكد فيه أن هذه الشحنة تمثل “إضافة نوعية لقدرات الجيش الإسرائيلي، ودليلًا على متانة التحالف الأمريكي-الإسرائيلي”. هذا التطور يعكس التكامل بين المسار السياسي لخطة التهجير الجماعي، والدعم العسكري الأمريكي غير المشروط لإسرائيل.
على الرغم من أن الاتفاق الحالي لوقف إطلاق النار كان من المفترض أن يكون تمهيدًا لمفاوضات أوسع، إلا أن حكومة نتنياهو، المدعومة من اليمين المتطرف، تسعى لإفشاله. حيث يواصل نتنياهو عرقلة المرحلة الثانية من المحادثات، خوفًا من أن يؤدي تنفيذها إلى إسقاط ائتلافه الحاكم وإجراء انتخابات مبكرة قد تزيد من فرص محاكمته بتهم الفساد. وعلى الرغم من أن الصفقة الحالية تشمل إطلاق سراح ستة رهائن إسرائيليين، إلا أن الحكومة الإسرائيلية، بدعم أمريكي، تحاول تغيير شروط الاتفاق بحيث يتم الإفراج عنهم دفعة واحدة، بدلاً من مرحلتين كما تم الاتفاق عليه. هذه المماطلة تهدف إلى إطالة أمد الأزمة، واستغلال الوضع لدفع مزيد من الفلسطينيين نحو الخروج من غزة.
إلى جانب هذه التطورات، استغل نتنياهو وروبيو اللقاء في القدس لإعادة توجيه الأنظار نحو إيران، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي إيران بأنها “السبب الرئيسي لكل الاضطرابات في المنطقة”، مشددًا على ضرورة التصدي لها ومنعها من امتلاك سلاح نووي. روبيو، من جانبه، أكد أن “وراء كل جماعة إرهابية، وكل عمل عنيف، وكل نشاط يهدد السلام في الشرق الأوسط، هناك دعم إيراني”. هذه التصريحات تعكس محاولة لتبرير أي تصعيد عسكري محتمل ضد طهران، خاصة في ظل تصاعد الخطاب العدائي من إدارة ترامب الجديدة. يُذكر أن نتنياهو حاول في ولايته السابقة إقناع ترامب بتنفيذ ضربات عسكرية مشتركة ضد المنشآت النووية الإيرانية، لكنه لم ينجح آنذاك، إلا أن التصعيد الأخير يفتح الباب أمام احتمال إعادة هذا الخيار إلى الطاولة.
التقارب غير المشروط بين حكومة نتنياهو وإدارة ترامب لا ينذر فقط بتصعيد خطير ضد الفلسطينيين، بل قد يمتد ليشمل مواجهات إقليمية أوسع، وسط تساؤلات عن مدى استعداد الولايات المتحدة للمضي قدمًا في دعم إسرائيل، حتى لو كان ذلك يعني إشعال صراع إقليمي واسع النطاق.
اضف تعليقا