منذ أكثر من 15 شهرًا، تتعرض غزة لأبشع حرب إبادة جماعية في العصر الحديث، ومع ذلك لم ينكسر أهلها، لم يرحلوا، ولم يرفعوا الراية البيضاء. لقد شهد العالم كله على قدرتهم على الصمود في وجه القوة العسكرية الأكثر تطرفًا ووحشية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يبدو أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لم يتعلم شيئًا من التاريخ، ولا من أخطاء من سبقوه.

في لقائه الأخير مع بنيامين نتنياهو، خرج ترامب بتصريحات خطيرة تفضح نواياه الحقيقية تجاه غزة والمنطقة بأكملها. الرجل يريد تهجير أهل القطاع، ومسح وجودهم بالكامل، وإقامة إسرائيل الكبرى على أنقاضهم، تمامًا كما قامت الولايات المتحدة على أنقاض الهنود الحمر. لكن ما لا يدركه ترامب، ولا الصهاينة الذين يصفقون له، أن أهل غزة ليسوا قبائل ضعيفة يمكن اقتلاعها من جذورها.. هذه الأرض لهم، دافعوا عنها بكل ما يملكون، وصمدوا أمام آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا، ولن يكون ترامب أول من يحاول، ولن يكون آخر من يفشل.

مشروع تهجير غزة.. تهديد للعالم العربي كله

التصريحات التي أطلقها ترامب ليست مجرد حديث عبثي أو استعراض انتخابي، بل هي تهديد عالمي كبير، وخطة تتجاوز حدود غزة إلى المنطقة بأكملها. فمن يظن أن تهجير الفلسطينيين سيقف عند حدود القطاع، لا يدرك العقلية الاستعمارية التي تقود المشروع الصهيوني – الأمريكي. إذا تحقق حلم ترامب، لا قدّر الله، بإبادة غزة أو تفريغها من سكانها، فإن يده ستمتد إلى الأردن، إلى مصر، إلى سوريا، ثم إلى كل الدول الهشة التي تعتمد في أمنها على الحماية الأمريكية.

هل يعتقد العرب أن الدور لن يأتي عليهم؟

لقد رأينا كيف تم تدمير العراق وسوريا وليبيا والسودان، وكل ذلك لم يكن سوى خطوات أولى نحو هدف أكبر، حيث يصبح الشرق الأوسط تحت الهيمنة الصهيونية الكاملة، وتُمحى أي قوة عربية قادرة على الوقوف في وجه المشروع الأمريكي – الإسرائيلي. لو لم تدرك الدول العربية، خصوصًا مصر والأردن، أن هذا الخطر يهدد وجودها نفسه، ولم تتحرك بشكل فوري، فإنها تسير نحو الهاوية بنفسها.

عقلاء الجيش المصري يدركون خطورة المؤامرة

رغم الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها مصر، ورغم علاقات النظام المصري القوية بالإدارة الأمريكية، إلا أن هناك عقلاء داخل المؤسسة العسكرية المصرية يدركون جيدًا خطورة هذا الطرح، ويرفضونه بشدة. حتى الآن، يبدو أن كلمتهم هي العليا، وأنهم أوصلوا للسيسي رسالة واضحة بأن هذا المخطط لا يمكن أن يمر.

الجيش المصري يعلم أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء هو زرع لقنبلة موقوتة ستنفجر في وجه مصر، وتقود إلى إعادة تشكيل المنطقة بأكملها وفق الرؤية الصهيونية. ولذلك، فإن الموقف المصري الرسمي حتى الآن هو رفض قاطع لأي حديث عن التهجير، رغم الضغوط الكبيرة التي تُمارس على القاهرة.

أهل غزة عصيون على التهجير.. ألم يفهم ترامب بعد؟

ما الذي يمكن أن يحدث أكثر من 15 شهرًا من القصف والإبادة حتى يفهم ترامب أن مشروعه سيفشل؟!

غزة تعيش تحت النار منذ أكتوبر 2023، عشرات الآلاف استشهدوا، مئات الآلاف شُرّدوا، كل بيت تقريبًا تعرض للدمار، ومع ذلك لم يرحلوا. أي قوة يمكن أن تجعل شعبًا يستمر في البقاء تحت هذا الجحيم، سوى قوة الإيمان بعدالة قضيته، وقوة الإرادة التي جعلت هذا الشعب قادرًا على تحدي التاريخ نفسه؟

إسرائيل خسرت كل رهاناتها في غزة، وترامب سيفشل كما فشل غيره. من يراهن على أن الفلسطينيين يمكن اقتلاعهم من أرضهم، لم يقرأ التاريخ جيدًا، ولم يفهم أن غزة ليست مجرد مدينة على الخريطة، بل رمز للمقاومة والصمود. حتى وإن سقطت كل مدن العالم، ستبقى غزة واقفة.