أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن خطط لإنشاء طريق تجاري دولي يربط الهند بالولايات المتحدة، مرورًا بعدد من الدول، أبرزها الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر إيطاليا، ثم إلى الأراضي الأمريكية. 

ورغم ترويج ترامب لهذا المشروع باعتباره إنجازًا اقتصاديًا عالميًا لمواجهة النفوذ الصيني المتصاعد عبر “طريق الحرير”، إلا أن الأبعاد السياسية والاستراتيجية تكشف عن خضوع أنظمة عربية جديدة لرغبات واشنطن وتل أبيب، عبر التطبيع الاقتصادي الذي يرسّخ التطبيع السياسي.

السعودية والإمارات.. الولاء المطلق لواشنطن

لا يُخفى على أحد أن السعودية والإمارات أصبحتا حجر الأساس في المخططات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، إذ تمثلان أدوات لتمرير مشاريع التطبيع تحت غطاء اقتصادي. 

فالرياض التي لطالما ادعت دعم القضية الفلسطينية، أصبحت اليوم جزءًا من مخطط يربطها مباشرة بإسرائيل، مما يعكس حقيقة تحولها إلى شريك استراتيجي لتل أبيب رغم محاولات التستر خلف عبارات المساندة للقضية الفلسطينية.

الإمارات، بدورها، كانت أول من سار في ركب التطبيع الرسمي، وهي اليوم توفر كل التسهيلات الاقتصادية لإسرائيل، من الاستثمارات إلى التبادل التجاري والاتفاقيات الأمنية. 

وكان من المتوقع أن يكون لها دور مركزي في مشروع “الطريق التجاري الدولي”، حيث ستوفر البنية التحتية لمرور البضائع القادمة من الهند نحو إسرائيل وأوروبا. هذا التحرك ليس مفاجئًا، بل هو استمرار لنهج أبوظبي في تقديم كل ما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية، سواء عبر الاستثمارات أو دعم المشاريع الجيوسياسية لواشنطن.

الأردن.. ممر إسرائيل الاستراتيجي

يأتي إدراج الأردن في هذا المشروع ليؤكد أن النظام الأردني، رغم تحفظاته العلنية على بعض سياسات الاحتلال، لا يمانع في أن يكون ممرًا إقليميًا للنفوذ الإسرائيلي. 

فالأردن، الذي كان لفترة طويلة يعاني من الضغوط الاقتصادية والسياسية، وجد نفسه مجبرًا على تقديم التسهيلات للمشاريع الأمريكية والإسرائيلية كجزء من سياسات “التكيف مع الواقع”، رغم أن هذه السياسات تضعه في موقف ضعيف أمام شعبه الرافض للتطبيع.

لم يكن هذا الطريق ليُعلن عنه دون موافقة الأنظمة العربية التي تسير وفق الأجندة الأمريكية، والتي تتجاهل رفض شعوبها لأي شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل. 

بل إن المشروع يأتي في سياق متسارع من التحولات السياسية والاقتصادية التي تهدف إلى ربط المنطقة بالكامل بالمحور الأمريكي-الإسرائيلي، في ظل تراجع التأثير العربي الحقيقي على القرارات المصيرية.

مواجهة “طريق الحرير” أم توطيد الهيمنة الأمريكية؟

يحاول ترامب تقديم المشروع على أنه بديل استراتيجي لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، إلا أن الحقيقة هي أنه مجرد أداة جديدة لتعزيز الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، مع ضمان إدخال إسرائيل كلاعب رئيسي في التجارة الدولية عبر العالم العربي. 

وبينما تعمل الصين على تعزيز شراكاتها مع دول الخليج وآسيا وإفريقيا، يأتي المشروع الأمريكي ليضع هذه الدول تحت السيطرة الاقتصادية الغربية، بحيث تصبح ممرات تجارية تخدم الاقتصاد الأمريكي والإسرائيلي، دون أي استفادة حقيقية للمنطقة.

في النهاية، يكشف إعلان ترامب عن هذا المشروع أن الأنظمة العربية المستبدة لا تزال تقدم خدماتها لواشنطن وتل أبيب، سواء عبر التطبيع السياسي أو الاقتصادي، في حين تبقى الشعوب العربية آخر من يعلم وآخر من يستفيد.

 

اقرأ أيضًا : أمريكا تتعالى على الحكام العرب.. وتخشى مواجهة المقـ ـاومة الفلسطينية