أثار تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية جدلاً واسعاً حول قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بترحيل الناشط محمود خليل، معتبرة أن هذه الخطوة تشكل تهديدًا خطيرًا لحرية التعبير.

فبحسب الصحيفة، فإن خليل، وهو ناشط فلسطيني يحمل إقامة دائمة في الولايات المتحدة ومتزوج من مواطنة أمريكية، اعتُقل في سكنه الجامعي بجامعة كولومبيا قبل أن يتم نقله إلى مركز احتجاز في ولاية لويزيانا، وذلك على خلفية دوره في احتجاجات مناهضة للجرائم الإسرائيلية في غزة.

الصحيفة لفتت إلى أن هذه الخطوة تعكس توجهًا خطيرًا نحو قمع الأصوات المعارضة لإسرائيل في الولايات المتحدة، خاصةً في ظل تصاعد الحملة ضد الناشطين والأكاديميين الذين يعبرون عن مواقف مناهضة للسياسات الإسرائيلية. 

كما أن إدارة ترامب، التي زعمت أن خليل كان “مشاركًا في أنشطة مؤيدة للإرهاب ومعادية للسامية”، لم تقدم أي أدلة تثبت هذه الادعاءات، وهو ما يعكس بحسب “الغارديان” تلاعبًا سياسياً يهدف إلى تكميم الأفواه.

استغلال سياسي للقضية الفلسطينية

منذ توليه منصبه، تبنّى ترامب سياسة دعم غير مشروط لإسرائيل، وكان استخدامه لقوانين الهجرة والترحيل جزءًا من أدواته السياسية لقمع الأصوات المعارضة.

وفقًا للصحيفة، فإن خليل ليس إلا واحدًا من العديد من الناشطين الذين تم استهدافهم بسبب مواقفهم المؤيدة للحقوق الفلسطينية. 

ويمثل اعتقاله وترحيله خطوة أخرى في سلسلة من الإجراءات القمعية التي تتخذها إدارة ترامب ضد الناشطين والأكاديميين الذين يعارضون سياسات الاحتلال الإسرائيلي.

وتؤكد الصحيفة أن معارضة خليل للسياسات الإسرائيلية لا تعني أنه “مؤيد للإرهاب”، مشيرة إلى أن موقفه يرتكز على رفض الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك القصف العشوائي على غزة والحصار المفروض عليها.

ففي الوقت الذي يعتبر فيه القانون الدولي هذه الانتهاكات جرائم حرب، تحاول إدارة ترامب تصوير كل معارضة لإسرائيل على أنها دعم للإرهاب، وهو أمر خطير من شأنه أن يقوض مفاهيم حرية التعبير في الولايات المتحدة.

انعكاسات قمع الحريات على السياسة الأمريكية

يطرح التقرير تساؤلات حول مستقبل الحريات الأكاديمية وحرية التعبير في الولايات المتحدة، حيث تتخذ الإدارة الأمريكية سياسات أكثر قمعًا تجاه الأصوات الناقدة لإسرائيل. 

ويشير التقرير إلى أن إدارة ترامب لم تكتفِ بملاحقة الناشطين الأفراد، بل سحبت 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالي لجامعة كولومبيا بسبب احتجاجات طلابها ضد الحرب على غزة. 

كما هددت جامعات أخرى بالعقوبات نفسها، في خطوة يرى مراقبون أنها تهدف إلى إسكات المعارضة داخل الأوساط الأكاديمية.

وتشير الصحيفة إلى أن هذه الإجراءات تمثل امتدادًا لسياسة ترامب القائمة على استغلال اتهامات معاداة السامية كأداة لقمع أي نقد لإسرائيل، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

فبدلاً من التصدي الحقيقي لمعاداة السامية، يتم استخدام المصطلح كوسيلة سياسية لحماية إسرائيل من أي مساءلة دولية.

وترى الصحيفة أن هذا النهج لا يخدم حتى المصالح الإسرائيلية، بل يزيد من عزلتها الدولية، حيث تتزايد الأصوات التي تصف ممارساتها بأنها شكل من أشكال الفصل العنصري.

وفي ظل هذه الأوضاع، تؤكد “الغارديان” أن الحل الوحيد القابل للاستمرار هو حل الدولتين، والذي يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، مشيرة إلى أن استمرار الاحتلال والقمع لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف والتوترات. 

كما أن قمع الأصوات الناقدة لإسرائيل في الولايات المتحدة لا يخدم سوى أجندات سياسية قصيرة المدى، لكنه يهدد مبادئ الديمقراطية وحرية التعبير على المدى البعيد.

خاتمة: الحاجة إلى حماية حرية التعبير

في نهاية تقريرها، شددت الصحيفة على أن حرية التعبير ليست امتيازًا، بل حق أساسي يجب حمايته، مشيرة إلى أن محاولات إدارة ترامب فرض رقابة على الانتقادات الموجهة لإسرائيل تشكل سابقة خطيرة تهدد الأسس الديمقراطية في الولايات المتحدة. 

كما دعت الصحيفة إلى الإفراج الفوري عن محمود خليل وإلغاء قرار ترحيله، معتبرة أن هذه القضية تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام أمريكا بمبادئ الحرية والديمقراطية.

ويبدو أن هذه القضية لن تتوقف عند محمود خليل، بل قد تمتد إلى العديد من الناشطين الآخرين الذين يتبنون مواقف مشابهة. 

ومع تصاعد الضغوط الدولية ضد إسرائيل، فإن استخدام القمع والترحيل ضد المعارضين قد يزيد من موجة الغضب العالمي، خاصةً مع تزايد الدعوات لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها. 

ومن هنا، ترى “الغارديان” أن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه منتقدي إسرائيل، وإلا فإنها ستواجه تداعيات خطيرة على مستوى الحريات وسمعة الديمقراطية الأمريكية.

اقرأ أيضًا : ازدواجية المعايير الأمريكية.. قمع احتجاج في نيويورك للمطالبة بإطلاق سراح طالب فلسطيني