وثيقة سرية أعدّها فريق من خبراء الأمم المتحدة كشفت عن نمط مقلق من الرحلات الجوية العسكرية انطلقت من الإمارات العربية المتحدة باتجاه قواعد في تشاد، في وقت تتصاعد فيه الاتهامات بدور النظام الإماراتي نشط في دعم ميليشيا “قوات الدعم السريع” التي تقود واحدة من أعنف موجات القتل والتهجير في السودان.

الوثيقة، التي حصلت عليها صحيفة The Guardian البريطانية، تتألف من 14 صفحة، ومُعنونة بـ”سري للغاية”، وقد رُفعت إلى لجنة العقوبات الخاصة بالسودان في مجلس الأمن. تقرير الخبراء يوثّق ما وصفه بـ”نمط منتظم ومتصاعد” لرحلات شحن من طائرات عسكرية من طراز Ilyushin Il-76TD، أقلعت من مطارات إماراتية وهبطت في مطارات بتشاد، في مناطق معروفة بأنها ممرات لتهريب السلاح نحو السودان.

تكرر هذا النشاط لدرجة أن الخبراء وصفوه بـ”جسر جوي إقليمي جديد”، مشيرين إلى أن الرحلات اتّسمت بتحركات مريبة، أبرزها اختفاء الطائرات من أنظمة الرادار خلال أجزاء “حاسمة” من مسارها الجوي، ما يعكس بحسب التقرير “محاولات متعمدة لتفادي التتبع والمراقبة”.

التسريب يضع علامات استفهام خطيرة حول المشاركة الإماراتية في الحرب، خاصة أنه يتزامن مع تصعيد دموي شهدته مدينة الفاشر، حيث ارتكبت قوات الدعم السريع مجازر بشعة ضد المدنيين، راح ضحيتها أكثر من 200 شخص خلال أيام، أغلبهم من النازحين والمهمّشين عرقيًا.

الرحلات التي وثقها التقرير – وعددها 24 رحلة خلال عام واحد فقط – تزامنت مع تصاعد العمليات العسكرية في دارفور، وتحديدًا مع استخدام الدعم السريع لطائرات مسيرة في مهام قتالية واستخبارية، فيما وصفه الخبراء بـ”نقلة تكنولوجية جديدة في مسار الحرب”.

العديد من شركات الطيران المشغّلة لهذه الرحلات سبق أن ارتبطت بعمليات نقل عسكري وتهريب سلاح في مناطق أخرى، وبعضها كان قد وُضع سابقًا على قوائم الانتهاك لحظر السلاح.

إحدى الرحلات، كما جاء في التقرير، أقلعت من مطار رأس الخيمة، ثم اختفت عن أنظمة التتبع، لتظهر لاحقًا في العاصمة التشادية نجامينا، قبل أن تعود مباشرة إلى أبو ظبي.

حتى عندما حاول الفريق الأممي تحليل أنماط الإقلاع والهبوط، أشار إلى أن جزءًا كبيرًا من هذه الرحلات لم تُسجّل رسميًا، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات التهريب المنظم والعمليات السرية.

ورغم أن الفريق لم يتمكن من تحديد الحمولة بدقة أو التقاط صور داخل الطائرات، إلا أن تكرار الرحلات، واختيار مطارات معينة في الإمارات، والتوقيت المتزامن مع موجات تصعيد ميداني في السودان، كلها مؤشرات قوية – وفق وصف التقرير – على وجود “نشاط منسق عالي الخطورة”.

يأتي هذا التقرير بعد أيام من بدء جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى رفعها السودان ضد الإمارات بتهمة “التواطؤ في الإبادة الجماعية”. القضية تتهم ميليشيا الدعم السريع بارتكاب عمليات قتل واغتصاب وتهجير ممنهج في دارفور، وسط صمت دولي وتواطؤ إقليمي مكشوف.

التسريبات المسربة من الأمم المتحدة تضيف بعدًا جديدًا إلى الاتهامات، حيث لا يُمكن فصل التصعيد العسكري الذي تقوده قوات الدعم السريع عن الدعم اللوجستي والجوي المتكرّر عبر أراضٍ أفريقية، تبدأ من مدارج إماراتية، وتنتهي في ساحات القتل داخل السودان.