في مشهد يعكس وحشية القبضة الأمنية وتصاعد حالة البطش في الشارع المصري، شهدت البلاد خلال الأيام الأخيرة سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي تنذر بانفجار وشيك.
فمن الإعدامات الميدانية إلى الانتحارات المتكررة في الزنازين، يبدو أن النظام المصري ماضٍ في سياسة القمع بلا حدود، في ظل صمت قضائي وتواطؤ مؤسساتي مفضوح.
وفي الوقت الذي يئن فيه المواطن تحت وطأة الفقر والغلاء والانهيار الاقتصادي، تتسارع وتيرة الانتهاكات في السجون ومراكز الاحتجاز، ليبقى الموت هو الخيار الوحيد أمام المعتقلين، إما بالتعذيب أو بالإهمال الطبي، أو بقرار شخصي مأساوي للانتحار، بعد أن تُسلب منهم أبسط معاني الكرامة والعدالة.
ففي 13 نيسان/ أبريل الجاري، خرج المعتقل المصري السابق سامح سعودي في بث مباشر عبر “فيسبوك” بمحاولة انتحار، بقطع شرايين يده على الهواء، قائلا إنه: “سئم من الحياة بعد تجربة اعتقاله المتكررة”، فيما جرى نقله إلى المشفى لإنقاذه.
وسبقه، في 20 شباط/ فبراير الماضي، إنهاء الشاب مصطفى محمد مصطفى، (22 عاما)، حياته، في بث مباشر من محافظة الدقهلية، وذلك بعد اعتقاله وتعرضه للتعذيب مدة 37 يوما، حيث دفعته قسوة الحياة بعد الاعتقال للانتحار بعد شهور من إخلاء سبيله.
الوقائع الأخيرة تكشف عن حالات وفاة داخل السجون، وعمليات تصفية جسدية خارج إطار القانون، وانتحارات صادمة لمعتقلين لم يجدوا مخرجاً من دوامة القهر، بينما تتحول السجون إلى ما يشبه المقابر الجماعية البطيئة، وتُستخدم كأداة لإذلال الإنسان وإرغامه على الاختفاء من الحياة بصمت.
في سجون مثل “بدر” و”الوادي الجديد” و”برج العرب”، تتحول الرعاية الصحية إلى وسيلة قتل ممنهجة، بينما يتحدث المعتقلون عن مراكز طبية أشبه بغرف تعذيب باردة، وعن أطباء لا يملكون من الرحمة شيئاً سوى لقب “جزار”. حتى المرضى الذين ينتظرون عمليات عاجلة، يُتركون ليصارعوا الموت وهم مكبلون في زنازين انفرادية.
الإعدامات الميدانية.. رصاص بدم بارد
ومع اتساع رقعة الانتهاكات، لم تسلم حتى المناطق المدنية، فقد أعادت الشرطة المصرية إلى الواجهة مشاهد الإعدامات الميدانية، كما جرى في مرسى مطروح، حين أقدمت قوات الأمن على تصفية شابين بعد خداعهما لتسليم نفسيهما، في واقعة لا تختلف كثيراً عن مشاهد عصابات التصفية والانتقام خارج سلطة القانون.
أما جزيرة الوراق، فتعيش أيامًا من الحصار الأمني والتنكيل بالأهالي، ضمن محاولات محمومة لإفراغها لصالح مشاريع استثمارية مشبوهة. الاعتداءات الجسدية والاعتقالات الجماعية لم تعد مجرد وسائل ردع، بل صارت سياسة ممنهجة تفرضها الأجهزة الأمنية لفرض واقع جديد بالقوة الغاشمة.
من السجن إلى المجهول.. معاناة المعتقلين السابقين
في ظل هذه الانتهاكات المتتالية، يتزايد الضغط على المعتقلين السابقين، الذين يخرجون من السجون بأجساد منهكة ونفسيات محطمة، ليواجهوا واقعاً خانقًا من البطالة والفقر والملاحقة الأمنية الدائمة.
البعض منهم لم يجد حلاً سوى الانتحار، في بث مباشر أمام الناس، صرخة أخيرة لا تجد من يسمعها.
الملف الحقوقي في مصر لم يعد بحاجة إلى توثيق بقدر ما يحتاج إلى وقفة جادة من المجتمع الدولي. فعدد الوفيات داخل السجون منذ مطلع هذا العام فقط بات صادمًا، والاختفاء القسري صار قاعدة لا استثناء، والمحاكمات تحوّلت إلى مسرحيات عبثية لتبرير الظلم، بينما يتعرض المحامون والحقوقيون لملاحقة ممنهجة فقط لأنهم يدافعون عن الحق.
والنظام الحالي لم يعد يُخفي طبيعته البوليسية، بل بات يتباهى بها، ويتحدى كل الأصوات الحرة التي تجرؤ على الحديث عن الكرامة أو المحاسبة أو الديمقراطية. وبينما تغيب العدالة، تُدفن أجساد المعتقلين بصمت، وتُكمم أفواه عائلاتهم بالقهر.
إن ما يجري في مصر ليس مجرد انتهاكات متفرقة، بل هو مشروع متكامل لإعادة تشكيل الدولة على أسس القمع والترويع. وكل من يعارض هذه الصورة، يواجه مصيرًا مرعبًا، بين زنزانة باردة، أو تهمة جاهزة، أو رصاصة بلا محاكمة.
اضف تعليقا