في تطور صادم يكشف مجددًا حجم الانتهاكات التي تمارسها إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين، اتهمت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سلطات الاحتلال بتنفيذ “محاولة تصفية ممنهجة” بحق الأسير القائد عبد الله البرغوثي، أحد أبرز قيادات كتائب القسام والمعتقل منذ عام 2003. وأكدت الحركة أن البرغوثي يتعرض لتعذيب مروع في سجن جلبوع الإسرائيلي وصل حد إدخاله في غيبوبة متكررة، ما يهدد حياته بشكل مباشر، وسط صمت دولي مطبق وشبه تام من المؤسسات الحقوقية الدولية.
جسد مزرق ورأس دامٍ: معطيات مرعبة من داخل الزنزانة
البيان الصادر عن مكتب إعلام الأسرى التابع لحماس قدم صورة قاتمة عن الحالة الصحية للأسير البرغوثي، الذي يقضي حكمًا بالسجن المؤبد 67 مرة، وهو الأعلى في تاريخ الحركة الأسيرة.
وكشف البيان أن البرغوثي تعرّض لضرب مبرح جعل جسده مغطى بالبقع الزرقاء، ورأسه يعج بالكتل الدموية، بينما أصيب بكسور في الأضلاع وانتفاخ شديد في العينين.
ولم يتوقف التعذيب عند الضرب، بل شمل ممارسات وحشية وصفت بأنها “سادية”، حيث أفادت المعلومات بأن وحدة قمع السجون بقيادة ضابط يُدعى “أمير” تقتحم الزنزانة باستمرار وتنهال عليه ضربًا حتى تسيل الدماء من جسده، ثم يُدخَل عليه كلاب بوليسية لنهش جسده تحت أوامر الضابط: “أدخِلوا الكلاب تتسلى به”. هذا السلوك، وفق مكتب الأسرى، لا يندرج سوى في خانة التعذيب المنهجي بغرض القتل البطيء.
وذكرت المصادر أن سلطات الاحتلال تصب سائل الجلي الحار على جسده الجريح، وتحرمه من الاستحمام منذ 12 يومًا، فيما يُترك في زنزانته دون رعاية طبية، ما يضطره لنقع الخبز بالماء وشربه بدلًا من المضغ بسبب فقدانه القدرة على الأكل الطبيعي.
أما فراشه، فهو كيس نفايات وورق تواليت لفّ به يده، نتيجة غياب الحد الأدنى من أدوات العناية الطبية والإنسانية.
حرب ضد الأسرى.. والبرغوثي عنوان جديد للجرائم المسكوت عنها
عبد الله البرغوثي ليس أسيرًا عاديًا، فهو قائد ميداني بارز في كتائب القسام ويحمل الجنسية الأردنية، وسبق أن وصفته سلطات الاحتلال بأنه “من أخطر الأسرى”. إلا أن ما يتعرض له اليوم يتجاوز عقوبة السجن ليصل إلى ما وصفته حماس بجريمة “اغتيال بطيء متعمد”، واعتداء صارخ على القيم الإنسانية وحقوق الإنسان.
ولا تأتي هذه الحادثة في سياق معزول، بل تتزامن مع تصعيد ممنهج في سياسة التعذيب والإذلال داخل السجون الإسرائيلية، خاصة منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة في أكتوبر 2023، حيث تؤكد تقارير فلسطينية أن الاحتلال قتل 65 أسيرًا خلال الأشهر الماضية، بينهم حالات نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب المباشر.
ويقبع اليوم أكثر من 9900 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، من بينهم نحو 400 طفل و27 أسيرة، في ظروف توصف بأنها كارثية.
ومع ذلك، يلفّ الصمت الدولي هذه الجرائم، وهو ما شجّع – بحسب حركة حماس – الاحتلال على التمادي في ممارساته القمعية، مستفيدًا من الغطاء الأميركي والدولي الذي يغض الطرف عن هذه الفظائع، رغم مناشدات واسعة من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والعربية.
دعوات للتحرك الدولي والانتفاض الشعبي
اتهم مكتب إعلام الأسرى إسرائيل بإهانة البرغوثي لفظيًا، حيث قال له الضابط المعذِّب: “كنت قائدًا، واليوم أنت صفر.. يجب أن تموت”.
وهي عبارة تلخّص النية المبيتة لتصفية القائد الأسير داخل المعتقل، وهو ما دفع حماس إلى دعوة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان للتحرك العاجل وزيارة البرغوثي والضغط من أجل وقف ما وصفته بـ”الإجرام الممنهج”.
كما طالبت الحركة بفتح تحقيق دولي مستقل ومحاسبة قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية، محمّلةً إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أي أذى يصيب البرغوثي أو أي من الأسرى. ودعت جماهير الشعب الفلسطيني وأحرار العالم إلى الخروج في مسيرات غضب للتضامن مع الأسرى، والتأكيد على أن قضيتهم “خط أحمر لا يمكن تجاوزه”.
البرغوثي نموذج لمظلومية مضاعفة
في الوقت الذي يتعرض فيه قطاع غزة لحرب إبادة أسفرت عن أكثر من 170 ألف شهيد وجريح، و11 ألف مفقود، معظمهم من النساء والأطفال، تكشف حالة عبد الله البرغوثي عن جانب آخر من جرائم الاحتلال الأقل تغطية إعلامية، لكن الأكثر بشاعة من حيث الانتهاك الفردي والجماعي لحقوق الإنسان.
إن محاولة تصفية البرغوثي ليست سوى جزء من استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد لتفكيك بنية المقاومة معنويًا وجسديًا، عبر القضاء على رموزها في السجون. لكن هذه الجرائم، كما تقول حركة حماس، “لن تمر دون رد، ولن تجلب للاحتلال إلا الغضب والانفجار الشعبي”، وهي رسالة تلخص طبيعة المرحلة: مواجهة ممتدة، داخل الزنازين وخارجها، لن تنتهي إلا بانتهاء الظلم.
اقرأ أيضًا : الأونروا تتهم الاحتلال بتعذيب موظفيها واستخدامهم دروعا بشرية في غزة
اضف تعليقا