هذا الجهاز غير المرئي، الذي يخوض نيابة عنك مئات الحروب يوميا، إذا لم تحافظ عليه فلن يملك هو أيضا الدفاع عنك، لذا فلا تلم إلا نفسك، إذا ضعف جهازك المناعي، وتعرضت للكثير من الانتكاسات الصحية، فالحل بيديك قبل أن يكون داخل عيادة الطبيب.

ولكن ما هو تحديدا جهاز المناعة؟

حسب التعريف العلمي له، فهو بالفعل جهاز غير مرئي، داخل جسم الإنسان، يتكون من جسيمات صغيرة يتراص بعضها بجوار بعض، بما يشبه خلايا النحل، وتعمل كحائط صد أمام الفيروسات والبكتيريا، ليس هذا فقط، فمع التقدم بالعمر يتكون لدى الإنسان ما يسمى بـ “الذاكرة المناعية”، فيأخذ هذا الجهاز غير المرئي  صورة ضوئية، أو بصمة لكل فيروس يصيب الجسم، ويبدأ في تكوين مناعة طبيعية ضده، حتى لا يصاب به مرة ثانية، وهذه الحبيبات تنتشر بمناطق محددة من جسم الإنسان، مثل اللوزتين، والغشاء المخاطي، واللعاب، والدموع، والغدد الليمفاوية، والطحال، وجزء كبير من الأمعاء.

أسباب ضعف المناعة

غير أن هذا العمل المثالي لا يستمر دائما، ويتعرض لضربات متتالية تضعفه، ومن ثم يصبح جسم الإنسان مطمعا للفيروسات والميكروبات المختلفة، فإهمال الإنسان في صحته سواء بسبب عدم تناول الغذاء الصحيح بالكميات الصحيحة، أو بسبب اتباع ممارسات خاطئة، كالتدخين، أو تناول الكحوليات والمخدرات، والسهر لفترات طويلة من الليل، كل هذا يضعف الجهاز المناعي للإنسان، إضافة إلى تأثير الحالة النفسية، واضطراب العواطف عنده، فالحزن الزائد، أو الحقد، أو الخوف، جميعها مضرة على المدى الطويل.

أما الأدوية فهي عامل رئيسي في ضعف جهاز المناعة، فالاعتماد الزائد على المضادات الحيوية، أو عدم إكمال دورتها كاملة، يكسب الفيروسات قوة إضافية، ويجعلها تتغلب على الأجسام المضادة داخل الجسم.

علامات ضعف المناعة

وعندما يتعلق الأمر بضعف جهاز المناعة، فهذا لا يعني فقط الإصابة بنزلات البرد المتتالية، أو الفيروسات التي قد تصيب أيًّا من أجهزة الجسم، ولكن هناك سمات عامة إذا ما ظهرت على الإنسان، فهي تعطيه إنذارا واضحا عليه الالتفات إليه، ومن  تلك السمات الوهن البدني والضعف، وهزال في بنية الجسم، وكذلك ضعف التركيز، والشعور بالإرهاق عند القيام بمجرد مجهود بسيط.

وقد يشعر الشخص الذي يعاني من ضعف في جهاز المناعة بصعوبة في الحركة، والشعور بثقل الجسم، وتشنج أو تَيَبُّس بعضلات جسمه، ويصاحبها في معظم الأحيان الشعور بالنعاس والرغبة بالنوم وكذلك الكسل.

وقد تؤثر مشكلة ضعف المناعة على الشكل الخارجي للجسم، ومنها البشرة، فهي تساهم في جعلها تبدو غير صحية وغير منتظمة، وكما قد يتسبب ضعف المناعة بترهل الجلد وارتخائه، وضمور في عضلات الجسم، وغيرها من أعراض الشيخوخة التي تظهر مبكرا.

نصائح الأطباء

وعليه، ينصح الأطباء بالابتعاد عن كل ما هو مضر بجهاز المناعة، كالتدخين والسهر والإكثار من أكل النشويات والدهون والملقيات، بينما ينصح بالاستزادة من مأكولات ومشروبات محددة، ومنها: البطاطا والزبادي والتفاح والمشروم والعسل الأبيض، ومن المشروبات والأعشاب، فبشكل رئيسي الشاي بالقرنفل والبردقوش والروز ماري وحبة البركة.

و مما لاشك فيه أن لعلماء الطب الأوائل عبر التاريخ فضلا حقيقيا على البشرية، ليس فقط باكتشاف هذا الجهاز، وإنما في استثمار طبيعته، من أجل اختراع نظام “التطعيم أو التحصين” كمناعة مكتسبة تساعد الإنسان على مقاومة الأمراض .

ولقد اكتشف علماء الطب الجهاز المناعي إثر خبرات متتالية مع مرض “الطاعون”، ففي  عام 430 قبل الميلاد، لاحظ  الطبيب اليوناني “ثيودوروس” أن الناس الذين قد تعافوا من نوبة سابقة من هذا المرض، يمكنهم تمريض وخدمة المرضى دون الخوف من الإصابة بالمرض مرة ثانية، وفي القرن الثامن عشر، قدم مجموعة من الأطباء الإنجليز تجارب حول سم العقرب بعد ملاحظة أن بعض الكلاب والفئران كانت في مأمن من هذا السم، وهكذا تم استغلال هذه الملاحظات وغيرها من أجل فهم جهاز المناعة الطبيعي، بل والتفكير في المناعة المكتسبة عبر التحصين أو التطعيم، أي إطعام الجسم جزءًا من الفيروس أو السم أو المرض، بشكل يكسبه مناعة طبيبعة ضده إذا تعرض له بشكل مباغت ومكثف بسنوات تالية .

فلا نهاية لتطور العلم، ولا مجال لإهمال الصحة، طالما بقي الشعار الرئيسي هو “الوقاية خير من العلاج”، ولا وقاية دون مناعة قوية بجسم سليم.