وسط مشهد دموي متصاعد، يواصل الجيش السوداني تقدمه في مدينة أم درمان، معقل المعارك الكبرى ضد قوات الدعم السريع التي تتلقى دعما خارجيا مكشوفا، وعلى رأسه دعم من دولة الإمارات.
التقدّم الميداني للجيش في عدد من المحاور جنوب المدينة، يأتي في سياق معارك ضارية تكشف ملامح مرحلة جديدة من الصراع في السودان، الذي تسعى أطراف إقليمية إلى تمزيقه لصالح أجندات خارجية، في مقدمتها مشاريع أبوظبي لفرض نفوذها في منطقة القرن الأفريقي والساحل.
الجيش يضرب بقوة جنوب أم درمان
أحرزت القوات المسلحة السودانية تقدما ميدانيا ملموسا في مدينة أم درمان، إحدى أبرز ساحات المعركة في العاصمة المثلثة، حيث أعلنت وسائل إعلام سودانية، أن الجيش شن هجوما واسعا على منطقة صالحة، التي كانت تتمركز فيها قوات الدعم السريع منذ أشهر، وشهدت معارك شرسة أسفرت عن انسحاب الميليشيات من عدة مواقع استراتيجية.
وأظهرت مقاطع مصورة، بثها عناصر من الجيش السوداني، مشاهد لانتشار القوات النظامية في منطقة “الكسارات”، إضافة إلى حي الجامعة، الذي فرض الجيش سيطرته الكاملة عليه بعد معارك وصفت بـ”الضارية”.
وأشارت مصادر عسكرية إلى أن الجيش بدأ الهجوم من ثلاثة محاور صباح الثلاثاء، ما أربك قوات الدعم السريع، وأجبرها على التراجع في عدة مناطق.
ويأتي هذا التقدم بعد أيام من استعادة الجيش منطقة العطرون الإستراتيجية في شمال دارفور، التي تتحكم في محور صحراوي حيوي يمتد إلى المثلث الحدودي مع ليبيا وتشاد، وتضم مطارا عسكريا يستخدم في إمداد القوات بالسلاح والعتاد. هذه المكاسب الميدانية تشير إلى تغيرات في توازن القوى على الأرض، لكنها في الوقت ذاته تنذر بتصعيد دموي أكبر في المرحلة المقبلة.
الإمارات وتغذية الصراع: دعم مشبوه وتواطؤ مكشوف
في ظل هذا التصعيد، لا يمكن تجاهل الدور المشبوه الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة في تغذية أتون الحرب السودانية، عبر دعمها الممنهج لقوات الدعم السريع، وتزويدها بالسلاح والعتاد بشكل منتظم منذ اندلاع الصراع في أبريل 2023.
فوفقاً لتقارير دولية موثوقة، فإن أبوظبي متورطة في إرسال شحنات أسلحة عبر طرق سرية إلى ميليشيات الدعم السريع، عبر ليبيا وتشاد، وتسهيل تدريب عناصرها من خلال شركات أمنية خاصة.
وتسعى الإمارات من خلال هذا التدخل غير المعلن إلى ترسيخ وجودها في السودان عبر “حليفها الميداني” محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتأمين موطئ قدم في إقليم دارفور الغني بالذهب والمعادن، إضافة إلى منافذ البحر الأحمر.
هذه الأطماع الاقتصادية والجيوسياسية، جعلت الإمارات أحد أبرز اللاعبين في مخطط تمزيق السودان وتقسيمه إلى مناطق نفوذ متصارعة، على حساب استقرار شعبه ووحدته الترابية.
وقد اتهمت جهات حقوقية ومصادر استخباراتية، السلطات الإماراتية بالتحريض على استمرار الحرب، وعرقلة أي جهود للحل السياسي أو وقف إطلاق النار، من خلال الدعم العسكري والدبلوماسي المتواصل لقوات الدعم السريع، وهو ما يتنافى مع الادعاءات الرسمية لأبوظبي بأنها تقف على “مسافة واحدة من الأطراف”.
أم درمان مشتعلة ودارفور تنزف.. والأمم المتحدة تحذر
في الوقت الذي تشتعل فيه المعارك في قلب العاصمة، تتواصل الاشتباكات العنيفة في إقليم دارفور، حيث قُتل عشرات المدنيين في قصف مدفعي عنيف استهدف مخيم “أبو شوك” للنازحين قرب مدينة الفاشر، ما أدى إلى موجة نزوح جديدة زادت من تعقيد الأوضاع الإنسانية.
ووفقًا لتقارير منظمات الإغاثة الدولية، فإن عدد النازحين جراء الحرب بلغ أكثر من 6 ملايين شخص، في ظل تدهور بالغ في الخدمات الصحية، وانتشار الأوبئة ونقص الأدوية، وانهيار شبه كامل للبنى التحتية في المناطق المتأثرة.
من جانبها، أطلقت الأمم المتحدة تحذيرات جديدة من كارثة إنسانية وشيكة في السودان، ما لم يتم وقف القتال والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، مشيرة إلى أن الصراع الدائر أدى إلى تعطيل العمل بالمستشفيات والمدارس، وتسبب في مجاعات محلية في عدد من الولايات، وعلى رأسها دارفور والخرطوم.
لكن كل هذه التحذيرات تصطدم بتعنت أطراف الحرب، وغياب الإرادة الدولية الحقيقية لوقف النزيف السوداني، في ظل حسابات إقليمية ودولية معقدة، تُدار فيها الحرب بالوكالة، وتُستخدم فيها الميليشيات كأدوات لمشاريع الهيمنة.
خاتمة: معركة المصير في أم درمان.. والسودان رهينة الأطماع
التقدّم العسكري للجيش السوداني في أم درمان هو مؤشر على قدرة القوات النظامية على استعادة زمام المبادرة، لكنه لا يعني نهاية الحرب، بل يفتح الباب أمام فصول أكثر عنفاً، ما دامت الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها الإمارات، تواصل صبّ الزيت على النار بدعمها السري للميليشيات.
السودان اليوم لا يخوض فقط معركة عسكرية، بل يخوض معركة وجود حقيقية في وجه مشاريع التقسيم والسيطرة الأجنبية.
ومع كل شبر يحرّره الجيش، تزداد المطالب الشعبية بإيقاف التدخلات الخارجية، ومحاسبة المتورطين في دعم الحرب. لكن حتى يتحقق ذلك، يبقى السودانيون هم من يدفعون الثمن: بالأرواح، وبالدم، وبأحلام وطن يسعى لاستعادة حريته وسيادته.
اقرأ أيضًا : نتنياهو ومن وراءه الإمارات يسعيان لتصنيف قطر “داعمة للإرهاب”
اضف تعليقا