في وقت سابق من هذا الأسبوع أصدرت الاستخبارات الأمريكية تقريرًا صادمًا سلط الضوء على الجهود المكثفة للتلاعب بالنظام السياسي الأمريكي من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة ذات نفوذ وغنية بالنفط في الخليج العربي، والتي تُعتبر منذ فترة طويلة شريكًا وثيقًا وموثوقًا به.
ثلاثة من مسؤولين الاستخبارات الذين عملوا على التقرير تحدثوا إلى واشنطن بوست – تحدث كل منهم بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة المعلومات السرية- واصفين الأنشطة والمجالات التي غطاها التحقيق بأنها كانت محاولات غير قانونية لتوجيه السياسة الخارجية الأمريكية بطرق تخدم استبداد بعض الأنظمة العربية، وقال هؤلاء الأشخاص إن هذا يكشف عن محاولة الإمارات، التي شملت العديد من الإدارات الأمريكية، لاستغلال نقاط الضعف في الحكومة، بما في ذلك اعتمادها على مساهمات مالية في مجالات معينة، وكذلك انتشار سوق شركات الضغط التي تضم بعض المسؤولين وتتلقى الملايين لخدمة أجندة الإمارات.
بالإضافة إلى ذلك، ألمح المسؤولون إلى التراخي الأمريكي في إنفاذ قوانين الإفصاح التي تهدف إلى الحماية من تدخل الحكومات الأجنبية.
محتويات التقرير جُمعت ووُثقت من قبل مجلس الاستخبارات الوطني واطلع عليه كبار صانعي السياسة الأمريكيين في الأسابيع الأخيرة لتوجيه عملية صنع القرار فيما يتعلق بالشرق الأوسط عامة والإمارات العربية المتحدة خاصة، التي تتمتع بنفوذ كبير في واشنطن.
ناقش التقرير كذلك مسألة حدوث مثل عمليات التأثير هذه والتي تمارسها دولة صديقة بدلًا من قوة معادية مثل روسيا أو الصين أو إيران، مشيرًا وبصورة غير مسبوقة إلى حجم التهديدات الخارجية التي تشكلها الإمارات على الولايات المتحدة.
في تصريحات خاصة، قال بروس ريدل، الزميل البارز في معهد بروكينغز الذي خدم في مجلس الاستخبارات القومي في التسعينيات: “يظل مجتمع الاستخبارات الأمريكية بعيدًا عن أي شيء يمكن تفسيره على أنه يدرس السياسة الداخلية الأمريكية”، متابعًا “العمل على هذا التقرير ومحاولة فضح ممارسات قوة من المفترض أنها صديقة أمر غير مسبوق… إنها علامة على أن مجتمع المخابرات الأمريكية على استعداد لمواجهة تحديات جديدة”.
في سياق متصل، تحدث التقرير عن دور يوسف العتيبة -سفير الإمارات في واشنطن- في مثل هذه التدخلات الإماراتية، إذ سبق وقال إنه “فخور بنفوذ الإمارات ومكانتها الجيدة في الولايات المتحدة”، مضيفًا “حققنا هذه المكانة بشق الأنفس ونستحقها عن جدارة… ما وصلنا إليه هو نتاج عقود من التعاون الوثيق بين الإمارات والولايات المتحدة والدبلوماسية الفعالة التي تعكس المصالح المشتركة والقيم المشتركة”.
ووصف التقرير علاقة الإمارات بالولايات المتحدة أنها فريدة من نوعها، مشيرًا إلى أنه على مر السنين، وافقت الولايات المتحدة على بيع الإمارات العربية المتحدة معدات عسكرية متميزة تُعد من الأكثر فتكًا وتطورًا، مثل الطائرات بدون طيار MQ-9 والطائرات المقاتلة المتقدمة من طراز F-35، وهو امتياز لا يُمنح لأي دولة عربية أخرى بسبب حرص الولايات المتحدة على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل وعدم تفوق دولة أخرى عليها.
بعض عمليات التدخل الإماراتية التي ذكرها التقرير معروفة لدى متخصصي الأمن القومي، لكن هذه الأنشطة ازدهرت بسبب عدم رغبة واشنطن في إصلاح قوانين التأثير الأجنبي أو توفير موارد إضافية لوزارة العدل، مضيفة أن بعض هذه الأنشطة كانت تصل إلى حد التدخل.
وفقًا لسجلات وزارة العدل أنفقت الإمارات أكثر من 154 مليون دولار على جماعات الضغط منذ عام 2016، كما أنفقت مئات الملايين من الدولارات على التبرعات للجامعات ومراكز الفكر الأمريكية، التي تصدق تحقيقات وتقارير تحمل نتائج مواتية لمصالح الإمارات العربية المتحدة.
لا يوجد حظر في الولايات المتحدة على تبرع جماعات الضغط بالمال لحملات سياسية، إذ قال أحد المشرعين الأمريكيين الذين تحدثوا عن تقرير الاستخبارات للواشنطن بوست إنه يوضح كيف تُشوه الديمقراطية الأمريكية بواسطة الأموال الأجنبية، قائلاً إنه يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار.
وأضاف “يجب وضع خط أحمر صارم ضد تدخل الإمارات في السياسة الأمريكية”.
مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي هو المركز التحليلي الأول لمجتمع الاستخبارات، تعتمد تقاريره وتحقيقاته على معلومات من 18 وكالة مخابرات في البلاد للتحدث بصوت واحد حول قضايا الأمن القومي الملحة، وحسب العاملين في التقرير فإن الأنشطة المنسوبة إلى الإمارات في التقرير تتجاوز مجرد استغلال النفوذ.
إحدى عمليات التدخل الأكثر وقاحة التي ذكرها التقرير كانت عن توظيف ثلاثة مسؤولين سابقين في المخابرات والجيش الأمريكيين لمساعدة الإمارات في مراقبة المعارضين والسياسيين والصحفيين والشركات الأمريكية.
وفي الإيداعات القانونية العامة، قال المدعون الأمريكيون إن الرجال ساعدوا الإمارات في اختراق أجهزة كمبيوتر في الولايات المتحدة ودول أخرى، في العام الماضي على سبيل المثال، اعترف الثلاثة في المحكمة بتقديم تقنية قرصنة متطورة إلى الإمارات العربية المتحدة، ووافقوا على تسليم تصاريحهم الأمنية ودفع حوالي 1.7 مليون دولار لتسوية التهم الجنائية، ووصفت وزارة العدل التسوية بأنها “أول قرار من نوعه”.
اتهم المدعون العامون الأمريكيون توماس باراك، المستشار المخضرم للرئيس السابق دونالد ترامب، استغلال نفوذه في إدارة ترامب لصالح الإمارات والعمل على قناة خلفية سرية للاتصالات التي تنطوي على تمرير معلومات حساسة إلى المسؤولين الإماراتيين.
تضمنت الأدلة المقدمة في المحكمة آلاف الرسائل ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وسجلات الرحلات الجوية، بالإضافة إلى اتصالات تظهر أن المسؤولين الإماراتيين زوّدوه بنقاط للحديث لظهوره في وسائل الإعلام وأشاد فيها بالإمارات، بعد إحدى هذه المقابلات، أرسل باراك رسالة بريد إلكتروني إلى أحد جهات الاتصال قائلاً: “لقد فعلت ذلك مع فريق المنزل”، في إشارة إلى الإمارات العربية المتحدة.
ونفى باراك، الذي لم يسجل أبدًا لدى الحكومة الأمريكية للضغط من أجل دولة الخليج، التهم بشدة، وفشل المدعون في إقناع هيئة المحلفين بأن استغلاله لنفوذه أدى إلى جرائم. كما تمت تبرئة أحد مساعديه، ماثيو غرايمز.
الإمارات العربية المتحدة ليست وحدها في استخدام التكتيكات العدوانية لمحاولة استغلال النظام السياسي الأمريكي حسب رغبتها، إذ تدير المملكة العربية السعودية وإسرائيل وتايوان وعشرات الحكومات الأخرى حملات التأثير في الولايات المتحدة في محاولة للتأثير على سياسة الولايات المتحدة.
لكن التحقيق الذي عمل عليه مجتمع الاستخبارات عن الإمارات العربية المتحدة يشير إلى وجود مستوى عالٍ من القلق وخروج دراماتيكي عن الطريقة الإشادة التي تُناقش بها الدولة علنًا من قبل وزراء الخارجية والدفاع والرؤساء الأمريكيين، الذين يؤكدون بشكل روتيني على أهمية زيادة تعميق الولايات المتحدة- العلاقة الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.
منذ عام 2012 والإمارات تُعتبر ثالث أكبر مشتر للأسلحة الأمريكية وبنت ما يعتبره الكثيرون أقوى جيش في العالم العربي من خلال تنمية علاقات وثيقة مع المؤسسة السياسية والدفاعية والعسكرية الأمريكية.
وقاتلت القوات المسلحة الإماراتية إلى جانب القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق وسوريا، كما تستضيف البلاد 5000 عسكري أمريكي في قاعدة الظفرة الجوية وسفن حربية أمريكية في ميناء المياه العميقة بجبل علي.
غالبًا ما يصف الداعمون للإمارات في مراكز الأبحاث والدوائر العسكرية الأمريكية بأنها “سبارتا الصغيرة” لبراعتها العسكرية بينما تتجنب سجلها في مجال حقوق الإنسان وعلاقات القرابة القوية مع المملكة العربية السعودية.
لا يوجد انتخابات ولا أحزاب سياسية في الإمارات ولا قضاء مستقل، حيث انتقاد الحكومة محظور، والنقابات العمالية محظورة، وحسب منظمة “فريدوم هاوس” فإن دول الخليج من بين أقل البلدان حرية في العالم.
نما التركيز على دور الإمارات في واشنطن بعد وفاة الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي في تركيا، وخلصت وكالة المخابرات المركزية إلى أن مقتله حدث بناء على طلب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في الجريمة التي كانت سبب في قيام شركات الضغط ومراكز الفكر في واشنطن بقطع علاقاتها المالية مع الرياض.
وعلى الرغم من عدم مشاركة الإمارات العربية المتحدة في مقتل خاشقجي، فإن مكانة ولي العهد كحارس لمحمد بن زايد آل نهيان، حاكم الإمارات العربية المتحدة دعا إلى مزيد من التدقيق.
قال ريدل: “كان محمد بن زايد جزءًا كبيرًا من الحشد الذي قال إن ولي العهد السعودي سيكون مصلحًا، وسيجعل المملكة العربية السعودية دولة طبيعية أكثر، ويمنح المرأة حق التصويت – وكلها تحطمت عندما قُتل خاشقجي”.
يظهر فحص الخبراء كذلك أن وكالة إماراتية وضعت برنامج تجسس على هاتف زوجة خاشقجي قبل أشهر من مقتله
ما تسبب في تزايد المخاوف بشأن الإمارات بين جماعات حقوق الإنسان مع تورطها العسكري في الحرب الوحشية في اليمن، والتي انسحبت منها منذ ذلك الحين.
أثارت الدولة الخليجية كذلك غضب المسؤولين الأمريكيين بعد أن قالت هيئة الرقابة بوزارة الدفاع إن الإمارات ربما كانت تمول مجموعة فاغنر، وهي جيش مرتزقة روسي قريب من الكرملين اتُهم بارتكاب فظائع في ليبيا وأوكرانيا وأفريقيا.
على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة حافظت على دعم قوي من الحزبين في الولايات المتحدة، إلا أنها أقامت علاقة وثيقة بشكل خاص بإدارة ترامب، التي وافقت على بيع 23 مليار دولار من طائرات F-35 و MQ-9 وذخائر أخرى إلى دولة الخليج. النقل، الذي واجه مقاومة من قبل الديمقراطيين في الكونجرس.
الجدير بالذكر أنه في الشهر الماضي، كشفت صحيفة واشنطن بوست عن مغازلة واسعة النطاق لدولة الإمارات العربية المتحدة لكبار العسكريين الأمريكيين المتقاعدين، إذ أظهر التحقيق أنه على مدار السنوات السبع الماضية، عمل 280 من أفراد الخدمة الأمريكية المتقاعدين كمقاولين عسكريين ومستشارين لدولة الإمارات العربية المتحدة، أكثر من أي دولة أخرى، وأن العاملين في الوظائف الاستشارية يتلقون رواتب مرتفعة.
كان ليوسف عتيبة كذلك دور فعال في نجاح الإمارات في واشنطن، بخاصة وأنه مسؤول دبلوماسي أقام علاقات قوية مع السياسيين ورجال الأعمال الأقوياء من مختلف الأطياف السياسية.
يحرص التقرير الاستخباراتي على عدم تحديد أفراد معينين، وفقًا للمطلعين عليه، لكنه يذكر عدة اجتماعات ومحادثات شارك فيها مسؤولون أمريكيون وإماراتيون، إذ تشير إحدى الفقرات إلى اجتماع بين كبار المسؤولين الأمريكيين والإماراتيين اللذين عملا “بمفردهما” لإنقاذ العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، لكن أحد الأشخاص الذين تحدثوا عن التقرير للصحفية قال إن هذا المقطع كان إشارة إلى العتيبة.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا