شكلت علاقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدولة إسرائيل أولى خطواته للوصول إلى كرسي الحكم في المملكة، وربما ذهب لأبعد من ذلك بإفراطه في إظهار ولائه للولايات المتحدة من خلال “بوابة تل أبيب” لتأكيد أحقيته بالملك عن باقي أقرانه في الأسرة المالكة.

خطوات بن سلمان التي بدأها مبكرا منذ عام 2015 بزيارات سرية لإسرائيل ولقاءات عديدة بمسؤولين في دولة الاحتلال جعل الكثير من المحللين يرون أن صفقة شراء جزيرتي تيران وصنافير المصريتين وضمهما إلى حدود المملكة كانت الخطوة الأكبر في مسار التطبيع السعودي مع إسرائيل.

زيارة بن سلمان لإسرائيل

في 10 سبتمبر 2017 كشفت صحيفة “ميكور ريشون” الإسرائيلية عن قيام محمد بن سلمان بزيارة سرية إلى إسرائيل التقى خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال الأسبوع السابق لنشر الخبر.

وقالت الصحيفة إن وفدا أمنيا رافق بن سلمان خلال زيارته لتل أبيب موضحة أن الجنرال السعودي أنور عشقي كان ضمن هذا الوفد.

لقاءات عديدة

في الوقت الذي أعلنت فيه المملكة العربية السعودية عن تولي بن سلمان ولاية العهد خلفا لمحمد بن نايف الذي تم عزله بقرار من الملك سلمان، احتفت إسرائيل بتلك التغييرات وهو ما عبرت عنه صحيفة هآرتس الإسرائيلية بالإضافة إلى القناة العبرية السابعة التي قالت أن التغييرات الأخيرة في المملكة تحظى بترحيب ورضاء تل أبيب.

وكشفت هآرتس أيضا عن إجراء لقاءات منتظمة بين ضباط سعوديين وإسرائيليين جرى ترتيبها في الأردن موضحة أن هذه الاجتماعات كانت تتطلب موافقة مسبقة من بن سلمان الذي يشغل منصب وزير الدفاع فى ذلك الحين.

وفي العام  2015 عقد أحد اللقاءات بين مسؤولين سعوديين مع أقرانهم الإسرائيليين في إيلات الإسرائيلية، وأشارت الصحيفة إلى أن لقاءات أخرى تمت على هامش القمة العربية التي عقدت بالأردن في شهر مارس 2017 بين ضباط من الطرفين، وذلك في إطار ما أسمته غرفة الحرب المشتركة للأردن والسعودية والولايات المتحدة لتنسيق الأنشطة، بحسب صحيفة هآرتس.

رغبة بن سلمان

وبشأن العلاقة بين السعودية وإسرائيل فقد نشر موقع قناة الحرة الأمريكية الموجهة للعرب والشرق الأوسط ، تحليلا يفيد بأن بن سلمان قد يرغب في إقامة علاقات مع إسرائيل.

وعلق الباحث بمعهد الشرق الأوسط “ألين كيسويتر” على عملية إقناع الشعب السعودي بتقبل التطبيع مع إسرائيل بأن هذا الأمر سيتطلب جهدا كبيرا من بن سلمان لتهيئة الرأي العام السعودي.

تصريحات “كيسويتر” عكست الدور الذي يلعبه بن سلمان في عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية التي اتخذت منه رجلها الأول في المملكة.

لكن ثمة من يرى أن بن سلمان شخصية ليس لها وزن في عالم السياسة حيث يقول مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في واشنطن جون ألترمان : “إن شخصيات في العاصمة الأميركية تشكك في امتلاك محمد بن سلمان للخبرات السياسية المطلوبة”.

وربما تسربت هذه الشكوك إلى بن سلمان ما جعله يسرف في إظهار ولائه لأمريكا لإقناعهم بأنه الأجدر في ولاية والده الذي يعاني أمراضا عديدة تجعله في أغلب الوقت بعيدا عن السلطة أبرزها مرض الزهايمر.

ورصدت شبكة “بلومبرج” الأمريكية عقد 5 لقاءات سرية بين سعوديين وإسرائيليين منذ بداية 2014 في أماكن مختلفة أبرزها الهند وإيطاليا والتشيك، كما نقلت تصريحات للأمير السعودي الوليد بن طلال طالب فيها بضرورة تلاقي بلاده مع تل أبيب.

وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن إسرائيل والسعودية تقومان منذ سنوات بتبادل المعلومات الاستخبارية، خاصة فيما يتعلق بإيران.

تيران وصنافير

لم تكن هناك ثمة اتفاقات مباشرة تربط المملكة بإسرائيل ، فكان لزاما عليها إيجاد وسيلة لتبرير التواصل وتطبيع العلاقات وكان الحل الأمثل في هذا كما يرى الخبراء هو الحصول على جزيرتي تيران وصنافير من مصر لتدخل المملكة ضمن اتفاقية كامب ديفيد للسلام بصفتها المالك الجديد للجزيرتين اللتان تخضعان للاتفاقية، وبالتالي ستشكل الجزيرتان مظلة قانونية لأي حوار سعودي إسرائيلي دون أن تقع الرياض في حرج.

الصفقة منحت إسرائيل ممرا مائيا لم تكن تحلم به يوما، ليصبح مضيق تيران البوابة الوحيدة لإسرائيل من خلال البحر الأحمر، وحلقة الوصل البحرية التي تربط بين الكيان الصهيوني وإفريقيا والشرق الأقصى.

استطلاعات الرأي

ضمن محاولات إسرائيل لإقناع العالم العربي بالتطبيع معها نشرت وسائل إعلام عبرية استطلاعا للرأي أظهر ثقة الإسرائيليين في إمكانية تحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين، واحتل قائد الانقلاب العسكري في مصر عبدالفتاح السيسي المركز الأول بين الحكام العرب قدرة على تحقيق هذا الأمر بنسبة 65 % بينما حل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني المرتبة الثانية بنسبة 60% فيما جاء الملك سلمان في المرتبة الرابعة بنسبة ثقة وصلت إلى 53% وهي نسبة تعكس إدراك الإسرائيليين أن الباب قد أصبح مفتوحا للتغلغل داخل المملكة.

كما أعلن الإعلام الإسرائيلي عن قيام معهد السياسات الإستراتيجية التابع لمركز “هرتسيليا” بإجراء استطلاع للرأي داخل المملكة العربية السعودية حول القلق من تهديدات إيران وتنظيم الدولة وإسرائيل، وزعمت الدراسة بأن الغالبية العظمى من السعوديين أعربت عن دعمها لما يسمى بمبادرة السلام مع تل أبيب وأن إيران هي العدو الأول للمملكة ثم تنظيم الدولة فيما جاءت إسرائيل في المرتبة الثالثة.

مثل هذه الإستطلاعات وإن كان هناك تشكيك كبير في صحتها يرى المتابعون أنها تأتي ضمن المحاولات الإسرائيلية إقناع الشعوب العربية بوجود تقارب بينهم وبين الشعب الإسرائيلي كما تمهد للخطوات التالية في عملية التطبيع.

طبيعة المرحلة

يرى مراقبون أن المرحلة الحالية في مستوى العلاقة بين السعودية وإسرائيل تهدف إلى تطويع الرأي العام العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص على قبول التطبيع مع إسرائيل وجعل اللقاءات التي يعقدها العديد من المسؤولين سواء العرب أو السعوديين مع نظرائهم الإسرائيليين أمرا مألوفا لهذه الشعوب.

موقف السعودية قديما

لطالما تفاخر السعوديون على مدار عقود بعدم وجود علاقة تربطهم مع إسرائيل حتى نهاية القرن الماضي، إلا أن تلك الحالة سرعان ما تبدلت خلال الأعوام الأخيرة علي يد حكام المملكة الجدد الذين استجابوا لرغبات الإدارة الأمريكية في إنشاء علاقات جيدة مع تل أبيب ، وقد عبرت تصريحات عديدة عن ذلك ، منها تصريحات لشخصيات سعودية كبيرة كالأمير تركي الفيصل، والذي نادى بإدماج إسرائيل جغرافيا مع دول المنطقة ووصل الأمر به لعقد مناظرة مع “عاموس يادلين” في تل أبيب، وخلالها وجه “تركي الفيصل” خطابا دعى فيه إلى ضرورة إنهاء العداء بين الدول العربية من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى، كما أطلق تصريحات أخرى تؤكد أن “علاقات المملكة مع دولة الإحتلال ودية بامتياز”.