في أوائل عام 2021، بعد أسابيع قليلة فقط من تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، رفعت إدارته السرية عن تقرير استخباراتي حول مقتل كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي عام 2018، وجد أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مسؤول بصورة مباشرة عن اغتيال الصحفي، ضمن سلسلة “إجراءات عنيفة يتبعها لإسكات المعارضين في الخارج”.
كانت هذه الخطوة جزءًا من حملة أوسع بكثير من إدارة بايدن ضد نظام محمد بن سلمان، والتي تضمنت خطوات مثل تجميد مبيعات الأسلحة ورفع التصنيف “الإرهابي” عن المتمردين الحوثيين في اليمن، في سبيل تحقيق هدف بايدن المتمثل في إعادة هيكلة العلاقة الأمريكية السعودية بالكامل – وتحويل محمد بن سلمان، كما قال بايدن نفسه ضمن حملته الانتخابية “منبوذ”.
ولكن بعد مرور ما يقرب من عامين، من الواضح أن الجهود المبذولة لعزل محمد بن سلمان فشلت بشكل فعال، بل واستبدلت بأخرى للترحيب به مجددًا في الحظيرة الدولية.
عادت علاقات واشنطن مع الرياض مما جعل محمد بن سلمان في وضع أقوى مما كان عليه منذ البداية، والآن، مع تعثر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، ومواجهة الرئيس الصيني شي جين بينغ اضطرابات داخلية أكثر مما شهده منذ سنوات، فمن الأسلم أن نقول إنه لا يوجد دكتاتور كليبتوقراطي* حظي بعام أفضل من هذا بن سلمان الذي كان من المفترض أن يصبح “منبوذًا” لكنه وجد نفسه متمتعًا بقدر هائل من الإفلات من العقاب.
لعب الحظ دورًا جزئيًا في إعادة محمد بن سلمان للمجتمع الدولي مرة أخرى عام 2022، على سبيل المثال، مع الانهيار الروسي في أوكرانيا الذي استحوذ على مكانة موسكو كقوة هيدروكربونية عالمية، ازداد نفوذ المملكة العربية السعودية على منافسي النفط منذ بدء الحرب الموسعة.
لم يكن محمد بن سلمان قادرًا فقط على التدخل وتقديم شريان حياة لموسكو، واستثمار مئات الملايين من الدولارات في شركات الطاقة الكبرى المتبقية في روسيا، بل زادت الرياض أيضًا الواردات من روسيا – مما سمح لمحمد بن سلمان بتصدير المزيد من النفط السعودي وجني المزيد من الأموال في هذه العملية، لتتضاعف ثروته التي تقدر بالفعل بالتريليونات.
بعد ذلك، في أكتوبر/تشرين الأول، كشفت الرياض عن مقدار النفوذ الذي تتمتع به على المستهلكين الغربيين أيضًا، باستخدام شراكتها الجديدة مع موسكو، أقنع محمد بن سلمان والمسؤولون السعوديون منظمة أوبك بلس بخفض إنتاج النفط الإجمالي – مما أدى بشكل فعال إلى تقويض جهود واشنطن لدرء أسعار الغاز المرتفعة.
كانت الخطوة الأخيرة مزعجة بشكل خاص للبيت الأبيض، بعدما اعتقد أنه وصل إلى اتفاق سري مع محمد بن سلمان لزيادة إنتاج النفط وبالتالي الحفاظ على أسعار الضخ منخفضة، لكن ما حدث هو العكس، ولم يكن أمام واشنطن خيارًا سوى إقناع المواطنين بالتأقلم مع الأسعار المرتفعة.
غضب بايدن كثيرًا من هذه الخطوة، وهدد بأن السعودية ستواجه “عواقب” على خلفية هذا القرار، لكن بعد شهرين، لا يزال من غير الواضح ما ستكون عليه تلك “العواقب”، إن وجدت أصلًا.
الأكثر من ذلك أن إدارة بايدن أنقذت في نوفمبر/تشرين الثاني محمد بن سلمان من قضية مدنية يواجهها أمام المحاكم الأمريكية بسبب مقتل خاشقجي، ووجد البيت الأبيض أن بن سلمان تنطبق عليه شروط التمتع بـ “الحصانة السيادية” كونه رئيس وزراء السعودية.
في سبتمبر/أيلول، أصبح محمد بن سلمان رسميًا رئيس وزراء المملكة العربية السعودية، مما أضفى الطابع الرسمي على وضعه كرئيس فعلي للمملكة، وبناء عليه أصبح في مأمن من أي مسائلات أو محاكمات أو أي تهديدات محلية لسلطته، أو حتى انتقادات لانتهاكات حقوق الإنسان التي لا يتوقف نظامه عن ارتكابها وبأوامر مباشرة منه.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
*الكليبتوقراطية أو حُكم اللصوص هي حكومة يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عادةً عن طريق اختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان. واللفظ مركب من مقطعين باللغة الإغريقية؛ أولهما كلبتو (Κλεπτο) بمعنى لص، وثانيهما قراط (κρατ) بمعنى حُكم، وعادة ما يكون نظام الحكم في تلك الحكومات في الأصل ديكتاتوريًا أو استبداديًا.
اضف تعليقا