في الأشهر الأخيرة، اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي مئات الفيديوهات من مختلف أنحاء العالم، تُوثّق حالة غير مسبوقة من الوعي العام بحقيقة الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الوحشية في غزة والضفة الغربية وبقية المدن الفلسطينية.

هذه المشاهد، التي لم تعد حكراً على المؤسسات الإعلامية الكبرى، تُعرض أمام ملايين الناس، دون أي فلترة أو دعاية مضللة، لتكشف للعالم أبشع فصول حرب الإبادة في القرن الحادي والعشرين.

الغضب العام

في مختلف أنحاء العالم، تتصاعد موجة غضب غير مسبوقة ضد الصهاينة، مع انتشار مئات الفيديوهات التي توثق رفض الناس العلني لهم ولممارسات دولتهم الإجرامية بحق الأطفال الفلسطينيين. في الشوارع، في الجامعات، في الملاعب وحتى داخل المؤسسات السياسية، أصبح مشهد مواجهة الصهاينة وطردهم من الأماكن العامة أمرًا متكررًا.

 لم يعد بإمكانهم الاختباء خلف الدعاية الإعلامية التي صورتهم لعقود كضحايا، فمشاهد الأطفال الفلسطينيين تحت الأنقاض، وصراخ الأمهات المفجوعات، والوجوه الصغيرة المغطاة بالدماء، أصبحت تُعرض أمام العالم دون أي فلترة أو تحريف.

مقاطع الفيديو التي يجري تداولها على نطاق واسع تُظهر كيف تحولت مواقف الناس تجاه الصهاينة، حيث يُطرد دبلوماسيون إسرائيليون من المؤتمرات، ويرفض طلاب الجامعات حضور محاضرات ممثلي الاحتلال، وتواجه الشخصيات الصهيونية بصيحات الاحتقار أينما ذهبوا. في العديد من المدن الغربية، أصبح وجودهم في الأماكن العامة محفوفًا بالمواجهة، إذ لم يعد أحد يطيق سماع تبريراتهم الممجوجة عن “الدفاع عن النفس”، بينما يواصل جيشهم ذبح الأبرياء في غزة والضفة.

ما يجري اليوم ليس مجرد احتجاجات عابرة، بل تحوّل عالمي في الوعي تجاه حقيقة إسرائيل كمشروع استعماري استيطاني قائم على القتل والاضطهاد. لم يعد بالإمكان تكميم الأفواه أو إسكات الأصوات الغاضبة، فالعالم كله يرى الحقيقة بأم عينه، والكراهية تجاه الصهاينة لم تعد موقفًا سياسيًا فقط، بل أصبحت إحساسًا إنسانيًا عامًا يرفض الظلم ويسعى إلى فضح الجلادين.

تطهير عرقي ممنهج

ما يجري في فلسطين اليوم ليس مجرد “صراع سياسي” كما تروج الدعاية الإسرائيلية منذ عقود، بل هو تطهير عرقي ممنهج، تُرتكب فيه الفظائع بشكل علني أمام أعين العالم. المشهد مروع إلى حد أن كل الخطابات القديمة حول إسرائيل كـ”دولة ديمقراطية” واليهود كـ”ضحايا دائمين” قد تلاشت تمامًا، لتُستبدل بحقيقة واضحة: إسرائيل اليوم تُمارس القتل الجماعي والتدمير على نطاق لا يمكن الدفاع عنه، والوعي العالمي تجاه هذه الحقيقة في تصاعد مستمر.

من إسرائيل إلى اليهود.. انهيار الدعاية المضللة

لطالما حاولت الدعاية الصهيونية أن ترسم خطًا فاصلًا بين إسرائيل كدولة سياسية وبين اليهود كأفراد وجماعات دينية حول العالم، لكن جرائم الاحتلال جعلت هذا الفصل أكثر صعوبة من أي وقت مضى. اليوم، لم يعد بالإمكان الاختباء وراء مسميات مثل “إسرائيلي” أو “صهيوني”، لأن العالم يرى بشكل واضح أن ما يحدث في فلسطين يتم باسم الدين اليهودي، وبمباركة الأغلبية الساحقة من اليهود، سواء داخل إسرائيل أو خارجها.

هذه الحقيقة تتجلى في دعم الجاليات اليهودية الكبرى حول العالم للحرب، سواء من خلال التحريض الإعلامي، أو تمويل الحملات العسكرية، أو استخدام نفوذهم السياسي لحماية إسرائيل من المحاسبة الدولية. لم يعد الحديث مقتصرًا على مجموعة صغيرة من المتطرفين، بل أصبح موقفًا عامًا لمعظم المؤسسات والجماعات اليهودية، مما يُغيّر جذريًا نظرة العالم لهم.

الوعي العالمي يتجاوز الدعاية.. ورد الفعل يتصاعد

ما يثير الدهشة هو أن بعض اليهود، رغم كل ما يحدث، لا يزالون يلعبون دور “الضحية”، ويُصوّرون أي انتقاد لهم على أنه معاداة للسامية. لكن هذه الحيلة لم تعد تنطلي على أحد. في العديد من دول العالم، بدأ الناس بمساءلة كل من يبرر الفظائع الإسرائيلية أو يدعمها بأي شكل من الأشكال. الأمر لم يعد متعلقًا بإسرائيل فقط، بل بكل من يدعمها ويسوّق لجرائمها، مما أدى إلى تصاعد الهجمات اللفظية والاحتجاجات ضد الأفراد والمؤسسات اليهودية المتواطئة مع الاحتلال.

هذا التحول التاريخي يُشبه اللحظات التي سبقت الأحداث الكارثية التي تعرض لها اليهود في أوروبا في القرن الماضي. حينها، لم تكن المشكلة مجرد اضطهاد عشوائي، بل كانت نتيجة تراكم الغضب الشعبي تجاه دور اليهود في سياسات معينة. واليوم، إذا لم يُدرك اليهود أن العالم يرى بوضوح تام مسؤوليتهم المباشرة عن الفظائع الجارية، فإنهم يضعون أنفسهم في مواجهة خطيرة مع الرأي العام العالمي.

درس من التاريخ: هل يستيقظ اليهود قبل فوات الأوان؟

اليوم، لم يعد هناك مجال للمناورة أو التلاعب بالرأي العام. التغطية المباشرة لجرائم الاحتلال كشفت كل شيء، والملايين في جميع أنحاء العالم باتوا يدركون الحقيقة التي كانت تُخفى لعقود طويلة. أمام هذا الواقع، هناك طريق واحد فقط أمام اليهود حول العالم: أن يتبرأوا علنًا من إسرائيل، ويوقفوا دعمهم السياسي والمالي والإعلامي لها، ويقفوا إلى جانب الحق الفلسطيني.

إذا استمر اليهود في دعم إسرائيل بغض النظر عن جرائمها، فإنهم يعيدون كتابة تاريخهم بأيديهم، ويفتحون الباب أمام مرحلة جديدة من العداء العالمي لهم. فلا يمكنهم المطالبة بالتعاطف، بينما يدعمون حرب إبادة ضد شعب بأكمله. عليهم أن يقرروا الآن: هل يختارون الوقوف في صف العدالة، أم أنهم سيدفعون ثمن تجاهلهم لدروس التاريخ مرة أخرى؟