العدسة – معتز أشرف:
“صفر كبير” هي محصلة جولة جاريد كوشنير، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسون جرينبلات في المنطقة بعد زيارات متتالية شملت الكيان الصهيوني ومصر والسعودية والأردن وقطر، فيما تجاهلت السلطة الفلسطينية الحالية.
نرصد أسباب الفشل من زاوية تحقيق تقدم في صفقة القرن المنشودة أمريكيًا وتوابع الزيارة وتأثيراتها.
أهداف الجولة!
القناة العبرية العاشرة أكدت أن كوشنير وجرينبلات حملا خلال الجولة “خطة السلام” الأمريكية، أو ما يعرف بـ “صفقة القرن”، والوضع في قطاع غزة، وهذه ثاني زيارة لكوشنير بعد حضوره افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة في مايو الماضي، وهو ما ألقى بتأثيراته على الزيارة، بحسب مراقبين.
صحيفة هآرتس العبرية كشفت من جانبها عن أن الإدارة الأمريكية ستطلب مليار دولار من دول الخليج لبناء مشاريع لصالح قطاع غزة، موضحة أن جرينبلات وكوشنير سيطلبان من السعودية وقطر مليار دولار لتمويل مشاريع لغزة، مثل ميناء ومحطة طاقة شمسية ومنطقة صناعية سيتم إنشاؤها في المنطقة بين رفح المصرية والعريش، معتبرين أن إنشاء مناطق صناعية في سيناء ستعمل على تشغيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، فيما أشارت إلى أن واشنطن ستطلب تعاونًا مصريًا أردنيًا لتطبيق الخطة، والتي من شأنها تحسين الأوضاع الأمنية في غزة، منوهة إلى أن موضوع إمدادات غزة بالطاقة يحتاج إلى حلول سريعة، فيما قالت بأنه سيتم إنشاء محطات تحلية مياه أيضًا قرب محطات الطاقة الشمسية والميناء.
وبعد زيارة الثنائي الأمريكي للكيان الصهيوني أصدر مكتب نتنياهو بيانًا يشير إلى صنع السلام الإسرائيلي- الفلسطيني المرتقب بشكل أعم بوصفه “العملية الدبلوماسية”، كما أكد مسؤولون إسرائيليون أنهم يريدون أن تتضمن أي مفاوضات جديدة مشاركة واسعة مع القوى العربية، في إشارة إلى التطبيع وتمرير صفقة القرن.
من جانبها قالت وكالة “رويترز” معلقة: “جاءت زيارة كوشنر وجرينبلات إلى “القدس” بعد جولة بالمنطقة شملت الأردن ومصر، وهما جارتان وشريكتان في السلام مع إسرائيل، وقطر التي تساعد في تمويل المساعدات الإنسانية إلى غزة، وأجرى الاثنان محادثات أيضًا في السعودية التي لا تعترف بإسرائيل لكنها تشترك معها في خصومتها مع إيران، ولا توجد أي اجتماعات مقررة للمبعوثين الأمريكيين مع الفلسطينيين الذين علقوا العلاقات مع ترامب في ديسمبر كانون الأول بسبب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث يريد الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم في المستقبل”.
ضربة عريقات!
ووفق مراقبين فقد فشلت هذه الجولة الأمريكية، في تكرار لفشل جولات مماثلة لمساعدي الرئيس الامريكي، ويتصدر أسباب الفشل: إبعاد الطرف الفلسطيني سواء الرسمي أو الشعبي عن الحديث الدائر، وهو ما دفع السلطة الفلسطينية إلى شن هجوم غير مسبوق ضد البيت الأبيض، وعبر إذاعة صوت فلسطين الرسمية اعتبر صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية “أن الجولة التي يقوم بها مسؤولان أمريكيان في المنطقة تهدف إلى شطب وكالة “أونروا” وقضية اللاجئين وترتيب صفقة مالية لقطاع غزة بقيمة مليار دولار لإقامة مشاريع بمعزل عن الأونروا، وتحت ما يسمى حل الأزمة الإنسانية، ومحاولة الترويج لتغيير النظام السياسي في الضفة الغربية، وإسقاط القيادة الفلسطينية”.
وأضاف أن التركيز على “موضوع غزة والحديث عما يسمى أزمة إنسانية كلام حق يراد به باطل، ويحمل أهدافًا خطيرة في طياته”، مشيرًا إلى أن الموفدين، كوشنر، وجرينبلات، استمعا إلى موقف عربي موحَّد بأن الحل هو بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضايا الوضع النهائي بما فيها اللاجئون والقدس، استنادًا إلى قرارات الشرعية الدولية، في ضربة لما يتردّد عن صفقة القرن خاصة حول إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات “مجحفة”، بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية، تمهيدًا لقيام تحالف إقليمي تشارك فيه دول عربية وإسرائيل، في مواجهة الرافضين للسياسات الأمريكية والإسرائيلية.
وكانت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية نقلت عن مصادر فلسطينية وصفتها بالرفيعة أن الرئيس محمود عباس تعرض في الآونة الأخيرة إلى ضغطٍ هائل؛ عشية وصول كوشنير وجرينبلات إلى المنطقة لحثه على التراجع عن موقفه حيال الولايات المتحدة، والموافقة على دراسة الخطة الأمريكية للتسوية في الشرق الأوسط التي باتت تعرف إعلاميًا بـ”صفقة القرن “، وهو ما يتم في فشل واضح لضغوط الحلف الصهيوأمريكي في المنطقة.
نبيل أبو ردينة الناطق الرسمي باسم الرئاسة، قال قبيل الزيارة: إن الحديث عن جولة أمريكية جديدة لدول المنطقة بهدف بحث ما يسمي “صفقة القرن” أو أي مسميات أخرى، هي مضيعة للوقت وسيكون مصيرها الفشل الكامل، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار الاستراتيجي الإقليمي ويدفع المنطقة إلى المجهول، خاصة إذا استمرت بتجاوز الشرعية الفلسطينية المتمسكة بالثوابت المتفق عليها عربيًا ودوليًا.
شوكة المقاومة!
ثاني أسباب الفشل لهذه الجولة، رصده المحلل العسكري الإسرائيلي، في موقع “كان” العبري، جال بيرجير، مساء الجمعة، ويدور حول دور المقاومة في المشهد برمته؛ حيث أكد أن حماس لاعب قوي بغزة، وعلى “إسرائيل” عدم تجاهلها، ويجب عليها أن تتوصل معها إلى صفقة، أو تسوية طويلة المدى، تضمن نزع سلاح غزة، والإفراج عن الجنود الإسرائيليين بغزة، مقابل تحسين الأوضاع بالقطاع.
وأضاف: على “إسرائيل” التوصل بسرعة إلى تسوية مع حركة حماس بغزة، قبل أن تجد نفسها مرة أخرى داخل القطاع، مشيرًا إلى أنّ حماس تغيرت، وأن قيادتها الجديدة برجماتية، ويمكن التوصل معهم إلى اتفاق عملي بشأن الأوضاع الأمنية على الحدود.
جولة الثنائي الأمريكي من حيث مخرجاتها، تواجه رفضًا بالإجماع من كل القوى الفلسطينية، ووفق المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، سامي أبو زهري فإن الهدف الحقيقي من وراء صفقة القرن من طرف الإدارة الأمريكية هو “محو فلسطين”، وأكد أنّ “الشعب الفلسطيني مدرك لخطورة هذا المخطط، ومجمع على رفض صفقة ترامب”. فيما شدّد السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في تصريحاته المتزامنة مع الزيارة، على أن القدس لن تغير هويتها لا قرارات ترامب ولا قرارات نتنياهو، والشعب الفلسطيني سيظل وفيًا مهما كلف ذلك من تضحيات.
العرض المنقوص!
المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل رصد سبب الفشل الثالث لهذه الجولة، وهو عرض دولة منقوصة، مؤكدًا أنه على رغم أن موعد الإعلان عن الصفقة “ليس معروفًا”، إلا أنّ التفاصيل التي يتم تسريبها عمدًا كما يبدو بهدف جسّ نبض الأطراف، تبدو موثوقة، ولا تتضمن الخطة إخلاء إسرائيل أيًا من المستوطنات التي أقامتها بعد عام 1967 في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويبقى غور الأردن المحتل تحت السيطرة الإسرائيلية، كما تقضي الخطة بأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة الجيش والسلاح الثقيل، وهو ما يعني منح الفلسطينيين «دولة منقوصة»، وهو ما لا يلبي المطالب الفلسطينية، متوقعًا أن تعلن السلطة الفلسطينية أن الخطة لا يمكن أن تشكل حتى نقطة انطلاق للتفاوض حولها.
عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” أسامة القواسمي من جانبه أكد لوكالة «سما»، أن الصفقة الأمريكية التي يتم ترويجها “مصيرها الفشل”، وزيارات كوشنير وجرينبلات “مشبوهة ولن تُجدي إلا صفرًا كبيرًا”، مؤكدًا أهمية رفع “لا” كبيرة أمام كوشنير وجرينبلات والولايات المتحدة الأمريكية.
اضف تعليقا