في مشهد يعكس هشاشة البنية المدنية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، شهدت مناطق عدة وسط الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأربعاء، موجة حرائق غير مسبوقة، دفعت سلطات الاحتلال إلى إخلاء خمس مستوطنات من بينها بلدة “نيفيه شالوم”، الواقعة بين القدس المحتلة و”تل أبيب”، وإغلاق الطريق السريع الذي يربط بين المدينتين. 

الحرائق التي اندلعت في مناطق حرجية بفعل ارتفاع درجات الحرارة وهبوب رياح قوية، وضعت أجهزة الإطفاء والإنقاذ في حالة استنفار، وسط اعتراف رسمي بالعجز عن احتوائها دون تدخل خارجي.

وبحسب بيان صادر عن “سلطة الإنقاذ والإطفاء” التابعة للاحتلال، فقد تم نشر أكثر من 50 طاقم إطفاء و12 طائرة، إضافة إلى مروحية، في محاولة لاحتواء ألسنة اللهب التي تنتشر بسرعة كبيرة بسبب الأحوال الجوية. وأوضحت السلطة أن رياحًا قوية تزيد من تفاقم الوضع، فيما صدرت تعليمات لسكان بلدات أخرى بالاستعداد لعمليات إخلاء فوري.

تل أبيب تطلب النجدة من أوروبا: المساعدة تُطلب في الحرائق وتُمنع عن غزة

في خطوة تعكس ازدواجية المعايير الأخلاقية لدى سلطات الاحتلال، تقدمت حكومة تل أبيب بطلب رسمي إلى كل من اليونان وكرواتيا وإيطاليا وقبرص الرومية لإرسال طائرات إطفاء للمساعدة في إخماد الحرائق، في وقت تستمر فيه في إحكام الحصار وتجويع السكان المدنيين في قطاع غزة، مانعة دخول أبسط مقومات الحياة كالغذاء والدواء والماء.

الطلب الإسرائيلي هذا أثار موجة من التنديدات والانتقادات، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تساءل نشطاء ومراقبون: كيف لنظام يحاصر أكثر من مليوني فلسطيني ويحول غزة إلى جحيم من النار والدمار، أن يستجدي الدعم الخارجي حينما يشتعل بعض من أراضيه؟ وأين كانت هذه القيم الإنسانية عندما استخدمت إسرائيل طائراتها لقصف مخيمات اللاجئين ومنازل المدنيين في غزة، بدلًا من إطفاء النيران؟

تاريخ الاحتلال في التعامل مع الكوارث يُظهر اعتمادًا كبيرًا على الدعم الخارجي، فخلال حرائق الكرمل عام 2010، اضطرت “إسرائيل” آنذاك لطلب المساعدة من أكثر من 16 دولة. 

واليوم، ورغم تقدمها التقني المزعوم، تعود الصورة ذاتها لتتكرر، حيث تعجز أجهزة الطوارئ عن التصدي لكارثة طبيعية داخلية، بينما تواصل طائراتها العسكرية قصف الأبرياء في غزة بلا هوادة.

تغير المناخ يُعري هشاشة الاحتلال.. وتصاعد الغضب الشعبي

حرائق هذا الأسبوع ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها حرائق في بلدتي “مسيلات صهيون” و”إشتاؤل” قبل أيام، مما يعكس خللًا بنيويًا في إدارة الكوارث لدى دولة الاحتلال. 

كما أن تكرار هذه الحرائق وسط تزايد درجات الحرارة بفعل التغير المناخي، يطرح تساؤلات حول قدرة البنية التحتية الإسرائيلية على التكيف، ويدفع السكان للقلق بشأن مستقبلهم في مناطق ذات طبيعة جغرافية قابلة للاشتعال.

في السياق ذاته، تسببت هذه الحرائق في حالة من الفوضى والهلع بين سكان المستوطنات، وسط اتهامات من وسائل إعلام عبرية للحكومة بالتقاعس عن تجهيز فرق الإطفاء بشكل ملائم، رغم التحذيرات السابقة من موجات حر. 

كما أدى إغلاق الطريق السريع بين القدس و”تل أبيب” إلى شلل مروري واسع، ما زاد من حدة التوتر الداخلي.

وتأتي هذه التطورات في وقت يعاني فيه الداخل الإسرائيلي من انقسامات سياسية غير مسبوقة، واحتجاجات واسعة ضد حكومة نتنياهو، ما يجعل من كل كارثة طبيعية أو خلل في الإدارة فرصة لظهور مزيد من الغضب الشعبي ضد الأداء الرسمي.

خلاصة: نيران الطبيعة تذكر الاحتلال بمنطق العدالة

بينما تعلو ألسنة اللهب في مستوطنات الاحتلال، لا يسع المتابع إلا أن يتأمل في المفارقة الدرامية: دولة تحول غزة إلى فرن من الجوع والدمار، وتُحرم سكانها من ماء الشرب والطعام، تلهث اليوم وراء الدول الأوروبية لإنقاذها من حريق قد يكون إنذارًا رمزيًا بعدالة كونية تذكر الجميع بأن الظلم لا يدوم.

فيما يستنجد الاحتلال بالعالم لإطفاء حرائقه، تئن غزة تحت الحصار والنيران منذ أشهر، تُقصف بالفسفور الأبيض ويُمنع عنها الدواء، ولا أحد في تل أبيب يُفكر بطلب “مساعدة إنسانية” للفلسطينيين.

فهل تكون هذه الحرائق بمثابة مرآة يرى فيها العالم وجه الاحتلال الحقيقي؟ وهل يمكن أن تفتح أعين بعض حلفائه في أوروبا على التناقض الأخلاقي في دعمهم لكيان لا يعرف من الإنسانية سوى اسمها حين يُمس بناره؟

الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة، لكن الأكيد أن لهيب الحرائق – سواء كان من الطبيعة أو من الاحتلال – لا يفرق بين ظالم ومظلوم في سجل التاريخ.

اقرأ أيضًا : جيش الاحتلال يحشد الاحتياط لتوسيع جرائمه في غزة