أثار توقف “قافلة الصمود” المغاربية على مشارف مدينة سرت، الواقعة تحت سيطرة قوات خليفة حفتر، جدلاً واسعًا حول طبيعة التعاطي الرسمي لحكومة شرق ليبيا مع التحركات الشعبية التضامنية مع قطاع غزة، خاصة بعد صدور بيان رسمي يضع شروطًا مشددة لعبور المشاركين الأجانب في القافلة، وهو ما اعتبره ناشطون “ذرائع شكلية” لتبرير أوامر سياسية خلفها ضغط إماراتي واضح لتعطيل أي مسعى شعبي لكسر الحصار الإسرائيلي.

وقالت الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب في بيان إنها “تؤكد احترامها وتقديرها للتحركات الشعبية التضامنية مع الشعب الفلسطيني”، لكنها شددت في الوقت ذاته على ضرورة الالتزام الكامل بـ”الإجراءات القانونية المنظمة لدخول الأراضي الليبية”، مشيرة إلى أن بعض المشاركين لا يحملون جوازات سفر سارية، أو يفتقرون إلى الأوراق الثبوتية اللازمة، إلى جانب عدم وجود أختام دخول رسمية على وثائقهم.

وأكد البيان أن “القانون الليبي واضح في ما يتعلق بدخول الأجانب”، محذرًا من “استغلال الطابع الإنساني للقافلة وتوجيهها نحو أهداف أخرى غير معلنة”، دون أن يكشف البيان عن طبيعة تلك الأهداف أو من يقف وراءها، ما فتح الباب أمام تأويلات عديدة، خاصة في ظل الأجواء المشحونة التي تمر بها المنطقة.

رسائل سياسية مضمرة

البيان، الذي جاء بلغة رسمية مغلفة بمفردات سيادية، حمل في طياته رسائل سياسية، وُصفت من قبل ناشطين بأنها انعكاس لتوجيهات إماراتية تحرص على منع أي نشاط شعبي أو رسمي قد يُحرج إسرائيل أو يكسر الحصار المفروض على غزة. ويُعتقد على نطاق واسع أن اللواء خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا، ينفذ أجندات تتقاطع مع سياسات أبوظبي في المنطقة، بما في ذلك إجهاض المبادرات الشعبية المتعاطفة مع المقاومة الفلسطينية.

وقد أعلنت تنسيقية “قافلة الصمود” مساء الخميس أن قوات تابعة لحفتر أوقفت القافلة عند مدخل سرت، وأنها بانتظار الحصول على “تعليمات من بنغازي”، في إشارة إلى السلطة السياسية والعسكرية لحفتر. 

وأشارت مصادر من داخل القافلة إلى أن بعض المشاركين أبلغوا أن قرار السماح بالعبور “مرتبط بجهات سيادية غير ليبية”.

مصر تؤكد شروطها.. وتتماهى مع حفتر

في موازاة الموقف الليبي، أكدت السلطات المصرية مساء الأربعاء تمسكها بالضوابط التنظيمية لزيارة المنطقة الحدودية مع قطاع غزة، في تكرار للموقف الذي اتخذته سابقًا حين أوقفت الوفود الدولية الداعمة لغزة أو رحّلتهم قسريًا. 

ويعزز هذا التطابق بين الموقفين الليبي والمصري، من وجهة نظر مراقبين، فرضية وجود تنسيق أمني سياسي إقليمي، تقوده الإمارات، لضمان عدم كسر الحصار الرمزي أو الإعلامي عن غزة.

قافلة شعبية تعكس روحًا مغاربية تضامنية

“قافلة الصمود” التي تضم أكثر من 1500 ناشط من الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، جاءت نتيجة تحرك شعبي مدني منظم لدعم سكان غزة، ولفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد مجازر نيسان وأيار، وما خلفته من دمار ومجازر بشرية بحق المدنيين.

وكانت القافلة قد قطعت آلاف الكيلومترات برًا، على أمل دخول ليبيا ومن ثم العبور إلى مصر، وصولًا إلى معبر رفح الحدودي، تمهيدًا لإيصال المساعدات الرمزية والتضامن الشعبي إلى الفلسطينيين المحاصرين. إلا أن الوقف الإجباري في سرت كشف عن هشاشة البيئة السياسية الرسمية في المنطقة، ومدى تغلغل النفوذ الخارجي في توجيه القرارات السيادية.

خطاب مزدوج ومواقف مرتبكة

اللافت في بيان الحكومة المكلفة من مجلس النواب هو تكراره عبارات الترحيب بالمبادرات المتضامنة مع فلسطين، في الوقت الذي تُمنع فيه القافلة من التقدم، ويُطلب من المشاركين “أوراق ثبوتية” يدرك الجميع صعوبة توفيرها في ظروف تحرك شعبي طارئ، لا يشبه زيارة رسمية أو إجراء إداري عادي.

كما أن الحديث عن “مخالفات قانونية” يأتي بالتوازي مع سردية إعلامية موجهة عبر وسائل إعلام مقربة من حفتر، تشير إلى “مخاوف أمنية” و”شكوك في نوايا بعض المشاركين”، وهي اتهامات يرى المتابعون أنها تفتقر لأي أدلة واضحة، لكنها كافية لتبرير التعطيل، خاصة أمام جمهور داخلي لا يملك القدرة على الاعتراض.

دعم فلسطيني.. واتهام بالتواطؤ

من جهتهم، وجه ناشطون فلسطينيون ومنظمات تضامن دولية انتقادات حادة للمواقف الليبية والمصرية، واعتبروها امتدادًا لـ”خط الدفاع الأول” عن الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، في إشارة إلى الأنظمة التي تضع العراقيل أمام أي تحرك يكشف زيف ادعاءات “التطبيع مقابل الحقوق الفلسطينية”.

واتهمت بعض الجهات الحقوقية خليفة حفتر بتنفيذ أوامر مباشرة من الإمارات، التي تسعى إلى خنق كل تعبير شعبي داعم لغزة، خوفًا من اتساع رقعة التعاطف مع المقاومة الفلسطينية، وتحوّلها إلى ظاهرة ضاغطة تهدد مشاريع التطبيع الإقليمي.

خاتمة

في ظل التعقيد السياسي في ليبيا والانقسام بين حكومتي الشرق والغرب، تُصبح القضايا الكبرى مثل فلسطين رهينة للأجندات الخارجية. وما حدث مع “قافلة الصمود” هو مؤشر خطير على تراجع الإرادة الشعبية أمام سطوة التحالفات الإقليمية، التي يبدو أنها اختارت الاصطفاف إلى جانب الاحتلال، ولو بالتواطؤ الصامت، أو بشروط “قانونية” ظاهرها السيادة، وباطنها منع التضامن مع المظلومين.

اقرأ أيضًا : بأوامر من بن زايد.. الزبيدي يغادر عدن بعد قمع التظاهرات