ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير من إعداد روري جونز وسمر سعيد أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فرضت واقعًا جديدًا في قطاع غزة من خلال إدارتها لعمليات تبادل المحتجزين، حيث حوّلت الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين إلى استعراض يعكس سيطرتها الكاملة وإذلال الاحتلال الإسرائيلي، الذي بدا عاجزًا عن التحكم في مجريات العملية.

وأضافت الصحيفة أن المشاهد التي تم بثها من غزة أوضحت كيف أصبحت المقاومة تتحكم في تفاصيل عمليات التبادل، وهو ما يعكس فشل الاحتلال في فرض أي شروط على حماس، التي استغلت كل فرصة لتذكير العالم بأنها الطرف المسيطر في المعادلة. وأشارت الصحيفة إلى أن الجماهير الفلسطينية احتشدت حول مركبات حماس التي كانت تنقل المحتجزين الإسرائيليين، بينما لم يكن أمام هؤلاء سوى الركض نحو سيارات الصليب الأحمر التي كانت تنتظرهم بعيدًا، مما شكّل صورة واضحة للضعف الإسرائيلي.

اختيار رمزية المواقع يعزز رسالة التحدي

ورصد التقرير كيف استغلت المقاومة كل عملية تبادل للتأكيد على انتصارها، حيث أطلقت سراح رهينتين من أمام أنقاض منزل القائد يحيى السنوار، في رسالة تحدٍّ واضحة للاحتلال، مفادها أن اغتيال القادة لن يضعف المقاومة، بل سيعزز مكانتها. كما شهدت عمليات التبادل رفع الأعلام الفلسطينية الضخمة، وترديد شعارات تُكرّس صمود غزة وتكشف فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه.

وأشار التقرير إلى أن أحد المشاهد التي أصابت الإسرائيليين بالصدمة كان إطلاق سراح أربع جنديات إسرائيليات وهنّ يرتدين ملابس خضراء شبيهة بالزي العسكري، مما اعتبرته وسائل الإعلام الإسرائيلية محاولة متعمدة من حماس لإظهار جنود الاحتلال كأسرى حرب مهزومين، في صورة ألحقت ضررًا نفسيًا بالغًا بالمجتمع الإسرائيلي.

الاحتلال يرد بالتهديد لكنه يواصل تقديم التنازلات

وذكرت الصحيفة أن حكومة الاحتلال حاولت الرد على هذا الإذلال بإعلانها وقف الإفراج عن 110 أسرى فلسطينيين، في محاولة لحفظ ماء الوجه، إلا أن المقاومة لم تتأثر بهذه التهديدات، حيث تدخل الوسطاء الإقليميون وأجبروا إسرائيل على تنفيذ التزاماتها، مما شكّل انتصارًا إضافيًا لحماس التي أثبتت قدرتها على فرض شروطها في كل مرحلة من مراحل التفاوض.

ونقل التقرير عن بنيامين نتنياهو قوله: “إنني أنظر ببالغ الخطورة إلى المشاهد المروعة أثناء إطلاق سراح رهائننا، وأطالب الوسطاء بضمان عدم تكرار مثل هذه المشاهد”، في اعتراف ضمني بحالة العجز التي تواجهها إسرائيل أمام المقاومة.

وأشارت الصحيفة إلى أن المشاهد التي بثت في ساحة تل أبيب تسببت في صدمة كبيرة بين الإسرائيليين، الذين تابعوا عبر الشاشات الحشود الفلسطينية وهي تحتفل بينما المحتجزون الإسرائيليون يسيرون وفق قواعد فرضتها حماس. وذكرت الصحيفة أن الصدمة تحولت إلى فرحة جزئية عند رؤية الأسرى الإسرائيليين وهم يصلون إلى منازلهم، لكن ذلك لم يخفِ حقيقة الفشل السياسي والعسكري الذي تواجهه الحكومة الإسرائيلية.

وأكد التقرير أن إسرائيل أصبحت تدرك الآن أن أي مفاوضات قادمة لن تكون سهلة، حيث باتت المقاومة تمتلك اليد العليا، مما جعل الاحتلال في موقف أضعف مما كان عليه في أي وقت مضى.

ووفقًا للتقرير، فإن المفاوضات المقبلة بين الاحتلال والمقاومة ستكون أكثر تعقيدًا، إذ تسعى إسرائيل للحد من الخسائر الناجمة عن هذه العمليات، بينما تستمر حماس في استغلال الوضع لصالحها، مما يعزز مكانتها كقوة سياسية وعسكرية حقيقية على الأرض. ومن المتوقع أن تبدأ جولة جديدة من المفاوضات يوم الاثنين، لكن مع غياب أي ضمانات بأن الاحتلال سيتمكن من تحقيق مكاسب، في ظل نجاح المقاومة في فرض شروطها حتى الآن.

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار الأخير حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني 2025، جرت أربع عمليات تبادل، تم خلالها الإفراج عن 13 إسرائيليًا، مقابل 583 أسيرًا فلسطينيًا، في تأكيد جديد على أن المقاومة فرضت معادلة واضحة تجبر الاحتلال على دفع ثمن سياسي وعسكري لكل خطوة يتخذها.