ترجمة عن تقرير لمجلة 1843 وصحيفة الإيكونيميست

كان “صدام الصغير”… هكذا وصف أحد معارف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في طفولته. استدعى الماضي قائلاً “لم يرغب أحد في أن يلعب كرة القدم مع محمد بن سلمان حين كان طفلاً رغم أنه كان أحد أفراد العائلة المالكة في السعودية، لكنه كان ضمن 15000 شخصاً آخراً، لكل منهم رونقه الخاص في جذب الناس حوله. زملاء محمد بن سلمان في المدرسة كانوا يفضلون رفقة أبناء عمومته، الذين كانوا -آنذاك- في مرتبة أعلى في ترتيب ولاية العهد المفترض”.

الحياة الشخصية على مستوى العائلة كانت صعبة أيضاً على محمد بن سلمان طفلاً، والده، الملك الحالي سلمان بن عبد العزيز، كان لديه بالفعل خمسة أبناء من زوجته الأولى، وهي امرأة متعلمة من عائلة حضرية راقية، أما والدة محمد، الزوجة الثالثة لوالده، كانت امرأة قبلية -على مستوى الطباع والمنشأ.

عندما زار محمد بن سلمان القصر الذي كان يعيش فيه والده مع زوجته الأولى، سخر منه إخوته غير الشقيقين ووصفوه بأنه “ابن البدوية”، في وقت لاحق، تم إرسال إخوته الأكبر وأبناء عمومته للدراسة في جامعات في أمريكا وبريطانيا، فيما ظل محمد -النسل البدوي لسلمان- في الرياض لاستكمال تعليمه في جامعة الملك سعود.

في مرحلة الشباب، كان أفراد العائلة المالكة يبحرون في بعض الأحيان على اليخوت الفاخرة معاً؛ وبحسب ما ورد تم التعامل مع محمد بن سلمان كفتى “مهمات”، أي كان يتم إرساله إلى الشاطئ لشراء السجائر وبعض الطلبات الأخرى. تظهر صورة من إحدى هذه التجمعات مجموعة من 16 من أفراد العائلة المالكة وهم على سطح يخت يرتدون سراويل قصيرة ونظارات شمسية، خلفهم تلال الريفيرا الفرنسية، يتوسطهم ابن عم محمد بن سلمان، الأمير الوليد بن طلال – الملياردير الحالي-، أما محمد بن سلمان نفسه، كان مهمش على حافة اليخت.

لكن في أقل من 10 سنوات، انقلبت الآية تماماً، أصبح بن سلمان صانع القرار في المملكة، الرجل الأهم في مركز الأحداث، لا يتحكم في بلاده وحسب، لكنه بشكل أو بآخر يتدخل في الاقتصاد العالمي كونه الحاكم الفعلي لأكبر مصدر للنفط في العالم.

في حديثي مع ضابط مخابرات سعودي سابق، قال لي: “في الواقع، لم يعد الملك سلمان ملكاً”، في إشارة إلى أن الرجل البالغ من العمر 86 عاماً تنحى -بشكل غير مباشر- عن الحكم، وسلمه لنجله الشاب.

عُرف عن الأمير البالغ من العمر 36 عاماً ولعه بألعاب الفيديو، وخاصة لعبة Call of Duty، التي يبدو أنه تأثر بها على مستوى طريقة حكمه، في الواقع هو يستخدم امتيازات البلاط الملكي كأنه في داخل اللعبة، يتعامل بحماسة وعصبية كما لو كان يقاتل خصوماً افتراضيين على الشاشة.

حاول بن سلمان عمل إصلاحات جذرية في المجتمع السعودي من ناحية الثقافة والعادات والتقاليد، سمح بقيادة المرأة للسيارات والحفلات الغنائية المختلطة التي يحضرها سعوديون وأجانب لفنانين عالميين، كما رفع القيود عن ملابس النساء، بالإضافة إلى تقديم عصير الفاكهة الممزوج بالكحول في حانة مفتوحة.

بالرغم من ذلك، فإن تبني الثقافة الاستهلاكية الغربية لم يكن مقروناً بتبني القيم الغربية المتعلقة بسياسات الحكم الديموقراطية وحرية التعبير، بل إن الدول الغربية نفسها قامت بدعم دولة تجسس حديثة ومميزة. في رحلاتي الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، بدا الناس من جميع مستويات المجتمع خائفين من سماع صوتهم وهم يعبرون عن رأي معارض أو ناقد، وهو شيء لم أره من قبل.

في حوار مع محلل مخضرم حول ما يحدث في جدة، رفض التكهن بأسباب هدم جزء كبير من جدة، ثاني أكبر مدينة في البلاد، حيث قال “لقد نجوت من أربعة ملوك… دعوني أنجو من الخامس”.

الغرب، الذي اكتفى بسماع وعود التغيير واعتمد على النفط السعودي، بدا في البداية مستعدًا لتجاهل تجاوزات محمد بن سلمان، ثم في أواخر عام 2018، قتل المسؤولون السعوديون في اسطنبول الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي، وقطعوا جسده بمنشار عظمي، ما جعل حتى أكثر القادة الموالين للنظام السعودي يبتعدون عنه، لكن اليوم، وبفضل حاكم مستبد آخر، فلاديمير بوتين، عاد الأمير السعودي إلى الواجهة.

بعد أن غزا بوتين أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، ارتفعت أسعار النفط الخام، وعليه وجد زعماء العالم الغربي أنفسهم في أمس الحاجة لعون محمد بن سلمان، عبر زيادة انتاج النفط وبالتالي تخفيض الأسعار، تهافت الجميع على محمد بن سلمان، بمن فيهم جو بايدن الدي أُجبر على انزلاق مُذل أمام محمد بن سلمان، وبعد تعهداته إبان حملته الانتخابية بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة”، ومحاسبة قتلة خاشقجي، سافر بنفسه إلى السعودية وصافح محمد بن سلمان بقبضة يده، في إشارة كأنهم صديقين حميمين.

بالنسبة لمحمد بن سلمان، كل ما حدث يعتبر انتصار كبير، تكاد رحلته من حافة الصورة إلى قلب السلطة قد اكتملت، من المحتمل أن يكون ملكًا لعقود، خلال ذلك الوقت، ستكون هناك حاجة إلى نفط بلاده لتلبية الطلب العالمي الدائم على الطاقة.

بينما يرجح البعض، أنه مع تأمين جلوسه على العرش وتعزيز قوته، سيتخلى محمد بن سلمان عن الانتقام والقمع في التعامل مع المعارضة، واللذين أديا إلى مقتل خاشقجي، لكن البعض، ومن بينهم زملاء طفولته، يخشون شيئًا أكثر قتامة، تراودهم مخاوف أن يزداد الأمر سوءً، مستشهدين بالديكتاتور العراقي صدام حسين، الذي كان ذات مرة محدثًا ثم أصبح فجأة مدمنًا على تراكم القوة لدرجة أنه أصبح متهوراً بصورة خطيرة.

قال لي ضابط مخابرات غربي سابق: “في البداية لجأ بن سلمان للقوة من أجل الحصول على العظمة، ولكن بعد ذلك ستأتي الوحدة والشك والخوف من أن يحاول الآخرون انتزاع ما وصل إليه.”

خلال السنوات الأولى من صعود محمد بن سلمان، لم أكن أعلم الكثير عنه سوى أنه أحد الأمراء، ربما لم أكن لأوليه الكثير من الاهتمام إذا لم ينضم أحد معارفه القدامى إلى فريقه، والذي قال إن رئيسه الجديد كان جادًا في تغيير الأمور.

أنا متردد في الاعتراف بذلك الآن، ولكن عندما تحدث الأمير الشاب في البداية عن خططه لتحديث المجتمع والاقتصاد، تأثرت بحماسه ورؤيته وقيادته للتفاصيل، قدم ما تبين أنه إجابات دقيقة حول كيف ومتى سيتم إنجاز إصلاحاته خلال اجتماع مهم عُقد في بداية ظهوره على الساحة السياسية، قبل أن يتولى ولاية العهد.

كان محمد بن سلمان خلال ذلك الاجتماع لطيفاً، مبتسماً، واثقاً من نفسه، لكن اللافت للنظر وقتها، أنه حين غادر الغرفة لتلقي مكالمة هاتفية، بدأ مستشاروه في الدردشة بحماسة، لكن مع دخوله الغرفة مرة أخرى، ساد الصمت، كان لهذا المشهد مدلولات كثيرة ربما بدأت في الوضوح الآن.

نعم بدأ محمد بن سلمان في عمل إصلاحات كبيرة على المجتمع، مع جلب العديد من البطولات والمسابقات الرياضية، لكنها لم تكن أكثر من إصلاحات تجميلية لصورة ما، أما على الناحية السياسية، كان القمع سيد الموقف، قام باعتقال الكثير من الشخصيات العامة صاحبة الرأي، من بينهم رجال الدين.

ما لاحظته أن محمد بن سلمان ركز على تحدي المحرمات من الناحية الدينية، كأنه كان يستمتع بذلك، تطرقت قناته التلفزيونية الحكومية الجديدة إلى موضوع المثلية الجنسية، وفي سبتمبر/أيلول 2017، رفع الحظر عن تطبيق Tinder للمواعدة، في العام التالي، تم جر أحد أئمة مكة إلى التعامل مع المجموعة الأولى في مسابقة جديدة لألعاب الورق، وهي هواية تم استنكارها على أنها إلهاء آثم.

بالنسبة للأجانب، الرياض لم تعد متشددة مثل السابق، يقول أحد رواد فعالية غنائية: “هناك الكوكايين والكحول والمومسات كما لم أر في جنوب كاليفورنيا…إنها حقًا تغيرات ثقيلة”. يقول مسؤول سعودي كبير سابق إن العاملات بالجنس، وكثيرات منهن من أوروبا الشرقية، يمكنهن كسب 3000 دولار مقابل حضور حفل و 10 آلاف دولار مقابل البقاء في الليل.

قال العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في هذا المقال إنهم يعتقدون أن محمد بن سلمان كثيرًا ما يستخدم المخدرات، وهو ما ينفيه. يقول أحد المطلعين في المحكمة أنه في عام 2015 قال أصدقاؤه الذين رافقوه في رحلة إلى جزر المالديف، وفقًا للصحافيين الاستقصائيين برادلي هوب وجوستين شيك في كتابهما “Blood and Oil”، تم الاتفاق مع 150 عارضة أزياء للانضمام إلى الحفل ثم تم نقلهم “بعربة غولف إلى مركز طبي لفحصهم والتأكد من خلوهم من الأمراض المنقولة جنسياً”، كما تم نقل العديد من نجوم الموسيقى العالميين، بما في ذلك Afrojack ، دي جي هولندي، وهو تجمع لم يكن يريد بن سلمان للصحافة أن تطلع على ما يدور فيه.

بعد ذلك، فضل الأمير الاسترخاء قبالة ساحل البحر الأحمر، في عطلات نهاية الأسبوع، شكل الوفد المرافق له أسطولًا من خلال ربط اليخوت الخاصة به حول اليخت سيرين، الذي يضم قاعة سينما. وفقًا لمسؤول سابق، فإن بن سلمان، كان يقوم بتدوير الأقراص مرتديًا قبعة رعاة البقر التي تحمل علامته التجارية.

اليخت هو واحد ضمن مجموعة من الكماليات التي تنفق عليها المليارات، كما اشترى قصرًا فرنسيًا بقيمة 230 مليون جنيه إسترليني بالقرب من فرساي، تم بناؤه في عام 2008، وهو يضم غرفة للتأمل والاسترخاء على هيئة حوض مائي، يقال إنه تفاخر بأنه يريد أن يكون أول تريليونير.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا