في مطالعة دورية لخبراء مركز كارنيجي للدراسات والسلام في الشرق الأوسط دقوا ناقوس الخطر من الوضع المتردي في مصر ، مؤكدين أن الأوضاع زادت سوءا ولم تشهدها القاهرة منذ العام 1952 حينما بدأ حكم الجيش ، حيث تدفع اليوم دفعا إلى حافة الهاوية والحنين لما قبل ثماني سنوات .

أوضاع أسوأ

من جانبها قالت دينا الخواجة “مديرة معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت” أن البلاد تتخبّط الآن في وضع أسوأ بكثير من الذي كان سائداً في العام 2011 ، فقد تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين بشكلٍ كبير، وخفّضت الحكومة قيمة العملة على نحو غير مسبوق، واتّسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء (أو بين الطبقات الاجتماعية) بما لايُقاس.

وأضافت في المطالعة التي وصلت “العدسة” أنه لايغفل عن بال أحد أنه في فترة عقد الغضب في مصر بين 2000 و2010، كان المواطنون يتمتعون بهامش أكبر من الحقوق المدنية والسياسية، على الرغم من القبضة الحديدية التي فرضتها القوات الأمنية المصرية على المعارضين السياسيين للنظام ولكن مع ذلك، احترم نظام مبارك صورته العامة على المستوى الدولي، وتقيّد، وإن شكلياً، بالقانون الدولي ومبادئ الحوكمة – من خلال إجراء الانتخابات الرئاسية، وغياب المحاكمات العسكرية، ووجود عملية واضحة للتعديلات الدستورية، واحترام السيادة القضائية.

وأشارت الخواجة إلى أنه “لسوء الحظ، لا ينطبق ذلك على الواقع المصري اليوم، ويلوح في الأفق خوفٌ من فرض المزيد من الإجراءات السلطوية” موضحة أنه بعد ثمانية أعوام على تنحية حسني مبارك، فإن معظم المصريين مشتاقون إلى عهده، وهذا لايعني أن أغلبيتهم يؤيّدون عودته إلى سُدة الرئاسة، أو أن المشاعر المضادة للثورة تكتسح الشارع المصري، بل أن السخط الشعبي الذي ألهب المظاهرات التي أطاحت به قد همد مع الوقت لتحلّ مكانه أشكال جديدة من الإحباط.

أصعب الفترات 

شريف محي الدين الباحث غير المقيم في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت يرى أن واقع الحال أن العديد من المصريين يحنّون إلى أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ليس لأنه كان ديمقراطياً أو عادلاً أو نزيهًا، بل لأن الوضع اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه خلال أيٍّ من الحقبات السابقة التي حكم فيها قادة عسكريون البلاد عَقِب الانقلاب الأول الذي شهدته مصر في العام 1952.

واستدل “محي الدين” على ذلك بقوله : لقد تراجع الوضع الاقتصادي ومعه تقطّعت سبل عيش ملايين المصريين ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة، نتيجة قرار الحكومة خفض قيمة الجنيه المصري في نوفمبر 2016، كما أُغلق المجال السياسي بالكامل، خلافاً لما كان عليه في عهد مبارك حين كان ثمة هامش، وإن محدود، للنشاط السياسي، وفي غضون ذلك، يسعى الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تمديد ولايته الرئاسية التي ستنتهي في العام 2022. وقد أُطلقت مبادرة في البرلمان المصري لتعديل الدستور كي يتمكّن من البقاء في الرئاسة حتى العام 2032 ، متسائلا :”هل تُراه يفكّر في كسر الرقم القياسي الذي حقّقه مبارك عبر البقاء 30 عاماً في سُدة الحكم؟!”.

قلق واسع

ويعرب تامر بدوي الباحث في برنامج القيادة السياسية في كليّة الحوكمة الانتقالية في معهد الجامعة الأوروبية عن قلقه من الأوضاع الحالية في مصر ، مؤكدا أنه وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة زغبي للخدمات البحثية في ديسمبر 2018، يعتقد 64 في المئة من المصريين أن بلادهم، في ظل رئاسة عبد الفتاح السيسي، باتت أسوأ مما كانت عليه قبل خمسة أعوام، فيما أعرب 59 في المئة منهم عن عدم ثقتهم بالمؤسسة العسكرية.

وأوضح أن اليأس دفع ببعض المصريين الساخطين إلى التحسّر على أيام حسني مبارك التي شهدت قمعًا محدودًا نسبيًا وظروفًا اقتصادية أفضل، ومع أن مبارك انتهج إصلاحات اقتصادية نيوليبرالة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أسفرت عن زيادة ثروات الأغنياء الذين يؤلّفون 10 في المئة من المجتمع المصري، مع تحقيق مكتسبات محدودة للشعب، إلا أنها أدّت أيضًا إلى ارتفاع مستويات النمو.

وأشار إلى أن خطوط الصدع السياسية والاجتماعية الراهنة تضرب جذورها في حقبة مبارك، فسياسته الخارجية الموالية لأميركا أرغمته أحيانًا على الانصياع إلى واشنطن وتطبيق إصلاحات سياسية محدودة، لكن ذلك أدّى أيضًا إلى تعزيز قدرة المؤسسة العسكرية غير الخاضعة إلى المحاسبة والمساءلة، فالنهج الذي اتّبعه مبارك في السياسة الخارجية، وعدم معالجة عجوزات اقتصادية بنيوية، سمحا لدول مثل مجلس التعاون الخليجي بتوسيع نفوذها على حساب القاهرة، ما أسهم لاحقاً في حدوث الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.