في خطوة مثيرة للجدل وتعيد إلى الأذهان تساؤلات مزمنة حول علاقة الدولة الأردنية بالقضية الفلسطينية والمقاومة، أصدرت محكمة أمن الدولة في الأردن، الأربعاء 30 نيسان/أبريل 2025، حكماً بالسجن لمدة 20 عاماً مع الأشغال المؤقتة بحق أربعة مواطنين أردنيين، هم: إبراهيم جبر، وشقيقه حذيفة جبر، وخالد مجدلاوي، وأحمد عايش، في القضية التي اشتهرت إعلامياً باسم “دعم المقاومة الفلسطينية”.
وبحسب ما صرّح به محامي الدفاع عبد القادر الخطيب فإن الحكم قابل للتمييز، أي أن الباب ما يزال مفتوحاً للطعن فيه أمام محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية في المملكة.
إلا أن المثير في الأمر ليس فقط ثقل العقوبة، بل طبيعة التهمة ذاتها: “نقل أسلحة من مدينة المفرق إلى بلدة حوارة” – وهي بلدة تقع في الضفة الغربية المحتلة – في سياق دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
المفارقة أن التهمة التي أُدين بها المتهمون، والتي تُصنّف كجناية بموجب قانون محكمة أمن الدولة، لم تُقرن بأي فعل عنيف أو اشتباك مسلح، بل اقتصرت – بحسب لائحة الاتهام – على النية في إيصال الأسلحة من نقطة إلى أخرى. وهو ما يجعل من هذه المحاكمة مثالاً صارخاً على ما يُمكن وصفه بـ”تجريم النية المقاومة” لا الفعل بحد ذاته، في بلد طالما تباهى بدعمه التاريخي لفلسطين وشعبها.
الاعترافات المشكوك فيها وسياق المحاكمة الأمني
اللافت أن هيئة الدفاع عن المتهمين شككت في مشروعية الاعترافات التي بُني عليها الحكم، معتبرة أن “الظروف التي انتُزعت فيها أقوال المتهمين تجعل منها محلاً للطعن”، ما يفتح باب التساؤلات حول مدى استقلال القضاء العسكري، لا سيما في القضايا ذات البُعد السياسي أو القومي، كما هي الحال هنا.
أما بالنسبة للمتهمين الآخرين، خالد مجدلاوي وأحمد عايش، فقد أنكروا التهم الموجهة إليهم بالكامل، وأكدوا أن نشاطهم اقتصر على العمل في مجالات الإغاثة وجمع التبرعات للطلبة والفقراء في غزة.
وعلى الرغم من هذه الإفادات، لم تجد المحكمة أن هذه النوايا والممارسات الإنسانية كافية لتبرئة ساحتهم من “دعم المقاومة” الذي بات يُنظر إليه في الأردن الرسمي كفعل يستوجب المحاسبة!
ويأتي هذا الحكم ضمن سلسلة طويلة من القضايا التي عالجتها محكمة أمن الدولة الأردنية منذ عام 2007، إذ سجل “الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن” إدانة 37 مواطناً في 13 قضية على خلفية دعمهم للمقاومة الفلسطينية أو تنفيذهم أعمالاً مناهضة للاحتلال.
ويُشار إلى أن المحكمة نفسها هي التي تُعالج قضايا الإرهاب والمخدرات، ما يعكس النظرة الأمنية للدولة تجاه أي فعل يقترب من حدود مقاومة إسرائيل.
“دعم المقاومة” جريمة؟.. حين يتحول العدو إلى حليف
اللافت في هذه القضية ليس فقط طبيعة الحكم الصادر أو نوايا المتهمين، بل السياق الأوسع الذي يزداد وضوحاً يوماً بعد يوم في الموقف الرسمي الأردني: دعم المقاومة بات يُنظر إليه كجريمة تستوجب العقوبة، لا كحق مشروع في مواجهة الاحتلال.
تتزامن هذه الأحكام القاسية مع تزايد مؤشرات التطبيع غير المعلن بين النظام الأردني ودولة الاحتلال، بدءاً من الاتفاقيات الاقتصادية والتنسيق الأمني، ووصولاً إلى التضييق على الناشطين والحراكات المناصرة لفلسطين.
في وقت يتصاعد فيه القمع داخل الضفة الغربية، وتغلق المعابر على قطاع غزة، وتعاني المدن الفلسطينية من اجتياحات واعتقالات يومية، يبدو أن الأردن الرسمي يوجه بوصلته بعيداً عن قضية فلسطين التي كانت يوماً حجر الزاوية في خطابه السياسي.
الملتقى الوطني لدعم المقاومة لم يتوانَ عن وصف هذه الأحكام بأنها “تجريم لمقاومة الاحتلال”، وطالب بالإفراج الفوري عن المسجونين، داعياً إلى تصحيح ما وصفه بـ”الخلل القانوني والقيمي” في التعاطي مع قضايا المقاومة، ومذكّراً بأن مقاومة الاحتلال حق تكفله كل القوانين الدولية، بل وتعتبره الأمم المتحدة أحد أشكال الدفاع المشروع عن النفس.
بين المقاومة والمجتمع الدولي.. الأردن في موقف حرج
تأتي هذه الأحكام في وقت تتسارع فيه وتيرة التطبيع الإقليمي مع الاحتلال، ويتعرض الفلسطينيون لحرب إبادة في غزة، وقمع ممنهج في الضفة.
وفيما يُنتظر من دول الطوق – ومن بينها الأردن – أن تكون داعماً لمقاومة هذه السياسات العنصرية، يظهر أن الدولة الأردنية اختارت الاصطفاف ضمن “معسكر التهدئة” والتماهي مع مصالح الحليف الإسرائيلي.
وفي تطور موازٍ، عقدت محكمة أمن الدولة، أولى جلساتها في قضية أخرى أكثر خطورة، عُرفت بـ”قضية تصنيع الصواريخ والطائرات المسيّرة والتجنيد”، ضد 16 متهماً، مُنع ذووهم من حضور الجلسة، في مشهد يوحي بمزيد من الغموض والسرية حول ما يُعدّ له أمنياً وقضائياً.
وفي الوقت الذي يواصل فيه القضاء الأردني التعامل مع دعم المقاومة كجريمة، لا تُفتح أي تحقيقات أو مساءلات بشأن اتفاقيات الغاز مع إسرائيل، أو التنسيق الأمني، أو حتى الاعتقالات التعسفية بحق الناشطين المناهضين للتطبيع. هذا الانفصام بين الشعارات والواقع، بين الخطاب الشعبي والقانوني، يعكس عمق الأزمة السياسية في البلاد، والتي باتت تنذر بتحوّل “محكمة أمن الدولة” من أداة لحماية السيادة إلى أداة لتقييد الضمير القومي والوطني.
هل ما زال في الأردن من يقاوم؟
في ظل هذا المشهد القاتم، يبدو واضحاً أن المقاومة لم تعد محل إجماع في الأردن، لا شعبياً فقط، بل باتت محل صراع مع السلطة نفسها.
ومع استمرار تجريم من يدعمونها، وتجريدهم من أبسط حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة، يتأكد أن المعركة لم تعد فقط مع الاحتلال، بل مع من يختارون الاصطفاف معه، ولو بوجه أبناء وطنهم.
السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل باتت مقاومة الاحتلال تهمة في الأردن؟ وهل من العدل أن يُعامل من ينقل بندقية لمقاتل في الضفة، كما يُعامل من يخون الوطن لصالح العدو؟ في زمن اختلطت فيه المواقف، تبقى الحقيقة الواضحة: في المحكمة جلس أربعة متهمين.. أما في قلوب كثير من الأردنيين، فهؤلاء هم الأبطال.
اقرأ أيضًا : النظام الأردني يستخدم الإخوان شماعةً للتغطية على خيانته وتطبيعه مع الاحتلال
اضف تعليقا