منذ انتهاء العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، يحاول الاحتلال الإسرائيلي التملص من بعض الاتفاقات التي تخص القطاع وإعادة إعماره، مستغلًا بذلك أن الحكومة الصهيونية تغيرت بعد العدوان، ما يعني -حسب زعمهم- أن الحكومة الجديدة لا يجب عليها الالتزام بما كان مفروضًا فعله على الحكومة السابقة.

ومنذ انتهاء العدوان الأخير في مايو، يقتصر عمل المنفذ التجاري الوحيد للقطاع على إدخال السلع والمواد التموينية الأساسية، وبعض المواد المرتبطة ببعض الصناعات الغذائية فقط، فيما يتم منع عشرات الأصناف، التي كان يُسمح بإدخالها في السابق

وقطاع غزة المحاصر منذ عام 2006 يحتاج إلى إعادة الإعمار بعد عدوان استمر 11 يومًا، خلف وراءه مئات القتلى والجرحى، ومئات المنازل المهدمة، والمؤسسات التي قصفت طائرات الاحتلال مقراتها. كما أن إعادة الإعمار والتفريج بعض الشيء عن القطاع اقتصاديًا لن يتأتى إلا بدعم مالي، غالبًا ما يكون قطريًا.

وتسود حالة من الإحباط والغضب المتصاعد في صفوف المواطنين في غزة نتيجة خطوات الاحتلال الأخيرة، وعرقلة إدخال البضائع، وعمليات الاستيراد والتصدير عبر معبر كرم أبو سالم، المنفذ التجاري لغزة، بالإضافة إلى عرقلة وصول المنحة المالية القطرية للفقراء، وتعطل مشاريع إعادة الإعمار.

وقد أعلنت اللجنة الحكومية العليا لإعمار غزة أن إجمالي خسائر العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع بلغ نحو 479 مليون دولار أميركي، موزعة على ثلاثة قطاعات رئيسية، وهي الإسكان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ووفقا لتقرير اللجنة، فإن قطاع الإسكان والبنية التحتية تعرض لأضرار مباشرة بلغت نسبتها حوالي 61 بالمائة من إجمالي الخسائر، بقيمة وصلت إلى نحو 292.4 مليون دولار، من بينها 144.8 لقطاع الإسكان فقط. 

وأوضح التقرير أن خسائر قطاع المنشآت العامة والمباني الحكومية بلغت حوالي 30 مليون دولار، فيما وصلت خسائر قطاع النقل والمواصلات نحو 2.1 مليون. وأفاد بأن خسائر قطاع الكهرباء والطاقة بلغت حوالي 15 مليونًا، بينما وصلت خسائر قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى 7.6 ملايين. وذكر أن إجمالي خسائر قطاع الطرق بلغ 62.4 مليونًا، أما خسائر المياه والصرف الصحي فبلغت 17.6 مليونًا. وأشار إلى أن قطاع المرافق البلدية والحكم المحلي تكبّد خسائر بقيمة 13.1 مليونًا.

مماطلة وتهرب من الاحتلال

هذه الخسائر الكبيرة تضع القطاع في أزمة ليست بالقليلة، كما أنها تضع قيادة القطاع من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية في مسؤولية أمام الشعب، حيث إنهم المسؤولون عن توفير حياة كريمة له وتضميد جراحه بعد العدوان.

لذلك، فإن الفصائل الفلسطينية في القطاع تراقب الواقع الميداني عن كثب، في ظل المماطلة الإسرائيلية والتسويف، واشتراط حل ملف الجنود الأسرى لدى “كتائب القسام”، الذراع العسكرية لحركة “حماس”، وفي ظل رفض حكومة الاحتلال برئاسة نفتالي بينت العودة إلى التفاهمات التي كانت موجودة قبل 11 مايو الماضي، والتي نتجت عن تدخل وسطاء مصريين وقطريين وأمميين عقب مسيرات العودة وكسر الحصار، على اعتبار أن تلك الفترة قد انتهت، وأنها ستبحث عن خيارات أخرى للتعامل مع القطاع، لا سيما الملف المالي في محاولة لإعاقة وصول الدعم إلى حركة “حماس”.

وتتلخص هذه التفاهمات في إدخال الأموال للأسر الفقيرة في غزة، وتنفيذ مشاريع استراتيجية، وحل أزمات المياه والكهرباء، وتنفيذ مشاريع لتشغيل الشباب، وإنشاء مدن صناعية، وتوسعة مساحة الصيد، إلا أن ما نفذ من هذه التفاهمات لا يرقى إلى الحد الأدنى من المطلوب.

ربط ملف الإعمار بملف الأسرى

وتحاول الحكومة الجديدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي ربط ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى كتائب القسام، بملف إعمار غزة، وكل ما من شأنه تخفيف الحصار. حيث تحتجز حركة “حماس” منذ الحرب على قطاع غزة عام 2014، جثماني الجنديين الإسرائيليين هدار غولدين، وأورون شاؤول، بالإضافة إلى إسرائيليين اثنين أحدهما من أصل إثيوبي هو إبراهام منغستو، والآخر من أصل عربي يدعى هشام السيد.

وهذا الربط مرفوض بشكل كامل من فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس، حيث قال قال خليل الحية نائب رئيس حركة حماس في غزة: “لا نقبل ربط ملف التبادل بالإعمار والحصار والحقوق الفلسطينية وهذا متفهم من الأشقاء في مصر”، مضيفًا: “ملف تبادل الأسرى ملف مستقل عن كل الملفات ولا نقبل ربطه، نحن قطعنا شوطًا في اللقاءات قبل العدوان لكن الاحتلال ليس جادًا حتى الآن، وإذا كان جادا يمكن أن نمضي فيه بشكل سريع”.

مسيرات العودة من جديد

في هذا السياق، صرح القيادي في حركة “الجهاد الإسلامي” خضر حبيب أن “استمرار المماطلة الإسرائيلية سيدفع لاعتماد الوسائل الشعبية في المرحلة الأولى، عبر تفعيل مسيرات العودة وفعاليات الإرباك الليلي، وفي حال عدم الاستجابة سيتم اللجوء إلى خيارات أشد خشونة للضغط على الحكومة الإسرائيلية”.

كذلك كشف “حبيب” أن هناك حديثًا دائرًا الآن بين الفصائل حول إعادة إطلاق مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، المتوقفة منذ أكثر من عام ونصف العام، إلا أن الفصائل لم تتوافق بشكل نهائي على الآلية أو الموعد النهائي لاستئناف المسيرات.

وتحدثت مصادر من الفصائل الفلسطينية لبعض المواقع الإخبارية أن الفصائل في غزة درست استئناف مسيرات العودة بجميع أدواتها خلال الفترة المقبلة، وكانت النية أن تستأنف عقب عيد الأضحى في 20 يوليو/تموز الحالي، إلا أنه لم يتم التوصل لقرار نهائي بشأن ذلك، وترك الأمر لمزيد من المشاورات ولإفساح المجال أمام الوسيط المصري للتدخل، وحلحلة الأمور قبل الرجوع إلى مسيرات العودة.

وعلى هذا، يمكن القول إن استراتيجية الفصائل تعتمد على التدرج في التعامل مع السلوك الإسرائيلي المتعنت، في حال لم ينجح الوسيط المصري في إيجاد حلول للقيود المفروضة على القطاع. حيث سيتم اللجوء للأدوات ذات الطابع الشعبي والسلمي، مع إبقاء الخيار العسكري مطروحًا على الطاولة بطبيعة الحال.