رغم الجهود الدعائية المكثفة التي يبذلها النظام السعودي لتقديم نفسه للعالم كـ”دولة حديثة تسير نحو الإصلاح”، يكشف الواقع الحقوقي في المملكة عن تناقض صارخ بين الصورة المروّجة والممارسات الفعلية على الأرض، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع القُصّر والمعارضين السلميين.
قُصّر خلف القضبان.. والإعدام سيف مسلط
لا تزال القوانين السعودية، خصوصًا تلك المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية، تُستخدم بصورة انتقائية لإسكات كل صوت معارض، بما في ذلك الأطفال.
تُجرم هذه القوانين الفضفاضة أفعالاً مبهمة مثل “الإخلال بالنظام العام” أو “الإضرار بسمعة الدولة”، ما يُمكّن السلطات من سجن قُصّر لمجرد مشاركتهم في احتجاج أو نشرهم آراء سياسية على وسائل التواصل الاجتماعي.
أمثلة صارخة على ذلك:
-
عبد الله الحويطي: حُكم عليه بالإعدام عام 2022 عن جريمة مزعومة ارتكبها وهو في السابعة عشرة من عمره، رغم وجود تناقضات جوهرية في الأدلة، ومزاعم بتعرضه لتعذيب وانتزاع اعتراف قسري.
-
جلال اللباد: حُكم عليه بالإعدام في يونيو 2024 عن أفعال نُسبت إليه حين كان قاصرًا، بعد تعرضه لتعذيب ممنهج وحرمانه من التواصل مع محامٍ خلال التحقيقات.
هاتان الحالتان تكشفان عن نهج مستمر في تجاهل حقوق الأطفال، بالرغم من الالتزامات الدولية التي تمنع إعدام القُصّر تحت أي ظرف.
قمع واسع.. وغياب للضمانات القانونية
التقارير الأممية، بما فيها إفادات الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة، تؤكد أن:
-
ما لا يقل عن خمسة أطفال آخرين يواجهون خطر الإعدام في السعودية اليوم.
-
هؤلاء القُصّر محتجزون في ظروف مسيئة، ويتعرضون لانتهاكات مثل الحبس الانفرادي، والحرمان من المحامين، ومحاكمات تفتقر لأبسط معايير الشفافية.
ورغم الإدانة الدولية المتكررة، يتجاهل النظام السعودي بشكل ممنهج هذه الانتقادات، ممعنًا في استخدام سيف الإعدام كأداة لترهيب المجتمع وإخماد أي معارضة محتملة.
التناقض المفضوح: مهرجانات عالمية وعدالة مسيسة
بالتوازي مع هذه الانتهاكات الصارخة، يواصل النظام السعودي محاولة تلميع صورته الدولية عبر:
-
استضافة الفعاليات الكبرى (مثل فورمولا 1، كأس السوبر الإسباني، مؤتمرات الاستثمار).
-
إطلاق حملات إعلامية ضخمة لعرض “رؤية 2030” كخارطة طريق نحو الحداثة والانفتاح.
لكن الواقع الحقوقي يفضح هذه الرواية الرسمية:
-
خلف المهرجانات، هناك قُصّر يواجهون الإعدام دون محاكمات عادلة.
-
خلف الوعود بالإصلاح، تستمر الأجهزة الأمنية في تجريم حرية التعبير والمعارضة السلمية.
واجهة براقة تخفي قمعًا ممنهجًا
إلى أن يقوم النظام السعودي بإصلاحات قانونية حقيقية تشمل:
-
حظر إعدام القُصّر بالكامل.
-
ضمان المحاكمات العادلة والشفافة.
-
احترام الحق في حرية التعبير والاحتجاج السلمي.
سيبقى سجله الحقوقي وصمة سوداء تناقض كل محاولات الترويج لصورته كدولة حديثة.
إن التناقض بين الرواية الرسمية والممارسات الميدانية لم يعد قابلاً للإخفاء، ويطرح سؤالاً جوهريًا:
هل يمكن بناء مستقبل حديث في ظل نظام يواصل معاقبة الأطفال بالإعدام وسجنهم لمجرد أحلامهم بالحرية؟
اقرأ أيضا: حفلات ماجنة في السعودية: لماذا تريد المملكة التخلي عن صورتها المتدينة؟
اضف تعليقا