العدسة – معتز أشرف

ردود فعل غاضبة في أوساط المعارضة المصرية والإعلاميين والصحفيين ضد بيان النائب العام المصري الأخير الذي فرض قيودا غير مسبوقة على حرية الرأي والتعبير، أعاد الحديث بقوة عن عدم استقلال النيابة العامة، وسقوطها في أحضان نظام الرئيس المصري المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي، الذي يتيح له القانون اختيار النائب العام، بشكل جعله نائبًا عامًّا له وليس وكيلا عن الشعب، يحارب طواحين الهواء، كما فعل البطل الأدبي المعروف، إذ توهم أنها شياطين وأنها مصدر الشر في الدنيا، فهاجمها غير مصغ إلى التحذيرات!، وهو ما قام به النائب العام بالنص، حينما تحرك كالمفلس يبحث في دفاتره القديمة عن أي شيء، فتوهَّم الإعلامَ شياطينَ يجب ملاحقتها، ولكن يبدو أن الصحفيين عُصاة على الانكسار ولن يصمتوا.

بيان الشر!

النائب العام المصري، المستشارنبيل صادق“، دخل فجأة الأربعاء 28 فبراير، على خط الأزمة التي خلفتها توابع زلزال تقرير “قناة بي بي سي”، وقرر متابعة وضبط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تبث الأخبار الكاذبة التي لم يحددها أو يوَصِّف معايير لها، بعد أن وصف الأوضاع في مصر بأنها تواجه قوى الشر المتربصة بها من خلال المواقع ووسائل الإعلام.
وفي أول تطبيق لبيان النائب العام قررت نيابة أمن الدولة الأربعاء ضبط وإحضار سلمى علاء الدين الناشطة بحركة ٦ أبريل، وحبس المونتير طارق زيادة ١٥ يوما على ذمة التحقيق لإنتاجهما فيلما تسجيليًّا بعنوان “سالب ١٠٩٥ يوم”، تضمن حوارات لعدد من الرموز السياسية، بدعوى نشره الأكاذيب ضد الدولة.

“بي بي سي” بعد زوبعة الهجوم من نظام السيسي علي تقريرها الذي تضمن شهادات عن حدوث حالات اغتصاب واختفاء قسري لمعارضين، ردت بوضوح بالقول إنها تثق في نزاهة الفريق الصحفي الذي أعد الفيلم الوثائقي المثير للجدل، والذي أشار إلى تعرض المصرية “زبيدة” للاختفاء القسري والاغتصاب على يد الأمن المصري.

غضب واسع

ولم يكد يصدر البيان، حتى انطلقت قذائف نقد لاذع من منصات إعلامية وحقوقية ونقابية، وصلت إلى الدعوة إلى الاحتشاد في الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين غدا الجمعة، واعتبر المرصد العربي لحرية الإعلام -في بيان وصل (العدسة)- قرار النائب العام تجريما للصحافة وعدوانا جديدا عليها، وتطورا خطيرا يضاعف القيود على الإعلام المصري، مشيرا إلى أن النائب العام استهل بيانه بما وصفه بـ”قوى الشر” ومحاولاتها نشر أخبار غير حقيقية من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والخطير، أن وصف “قوى الشر” أصبح يُلحَق بالكثير من وسائل الإعلام ذاتها، أو اعتبارها -على الأقل – أدوات لتلك القوى، وهو توصيف غريب وغير محدد، اعتاد رأس النظام المصري المشير عبدالفتاح السيسي استخدامه لوصف خصومه ومعارضيه السياسيين، وباعتماد النائب العام لهذا الوصف في بيان رسمي -لأول مرة- فقد اعتبر العمل السياسي والإعلامي جريمة يعاقب مرتكبها.

وأكد المرصد العربي لحرية الإعلام أن بيان النائب العام تضمن خطأ قانونيًّا بمطالبته لهذه الجهات بإخطار النيابة بما يمثل خروجا عن مواثيق الشرف الإعلامي؛ ذلك أن تطبيق مواثيق الشرف هو مسؤولية حصرية لنقابتي الصحفيين والإعلاميين بحكم القانون، فيما تختص النيابة بالتحقيق فيما يمثل خروجا على القوانين فقط.

وأضاف الكاتب الصحفي قطب العربي مدير المرصد، أنه بهذا الإجراء، فإن النائب العام قد حول النيابة العامة إلى طرف مباشر في الخلاف السياسي، منحازة إلى السلطة القائمة على حساب المجتمع الذي تمثله بكل فئاته وطبقاته، كما حول النيابات إلى أقسام للبحث الجنائي والسياسي ومطاردة وملاحقة الصحفيين والإعلاميين ووسائل الإعلام بسبب ما تكتبه أو تبثه من مواد تحمل انتقادات للنظام الحاكم، وهو إجراء يخالف أبسط القواعد الدستورية والقانونية المحلية والدولية، ويسهم في تكريس الصورة قاتمة السواد عن مصر في مجال حرية الإعلام.

الكاتب الصحفي خالد البلشي المقرر العام السابق للجنة الحريات بنقابة الصحفيين في مصر، وصف بيان النيابة العامة بأنه “يمثل فصلًا نهائيًّا في عملية استكمال تأميم الصحافة، والانتقال إلى مرحلة تأميم الكلام تماما، فالبيان -والذي من المفترض أنه صادر عن هيئة قضائية يفترض فيها الحياد والاستقلال- استخدم تعبيرات فضفاضة وسياسية، واخترع اتهامات جديدة وتوصيفات لا علاقة لها بالقانون، متحدثا عما أسماه (قوى الشر)، وهو توصيف لم تحدد لنا النيابة العامة آلية توصيفه وتكييفه، ووضع حدود قانونية له، ولا نستطيع أن نعرف سببا لاستخدامه، سوى أن (رئيس الجمهورية) دأب على استخدامه”.

واستنكر “البلشي” عدم انشغال أعضاء النيابة بإنهاء التحقيقات المعلقة، والتي تحولت لوسيلة للاعتقال بسبب طول فترة التحقيقات في بعض القضايا، والتي تجاوزت فترات الحبس فيها الحدود القصوى للحبس الاحتياطي، ومنها على سبيل المثال، عدد كبير من قضايا الصحفيين، مثل قضية الصحفي هشام جعفر، والتي لازالت في مرحلة التحقيق، رغم مرور أكثر من 28 شهرا على بداية التحقيق فيها، وإصدار النائب العام توجيها لأعضاء النيابة بإنهاء التحقيقات في هذه القضايا، التي يدفع الآلاف ثمنها أعوامًا من حياتهم، وبعدها يتم تبرئة جانب كبير، مشددا على أن البيان “يمثل تقليصًا لمساحات ما عرف في القانون بـ”قضايا الإبلاغ”، وفرض دور الوصي على المجتمع، ويرسل رسالة للجميع أنكم أينما كنتم تحت سمع وبصر الأخ الأكبر وملاحقون، وأن سلطة الضبط والإحضار ستتوسع لمجرد الكلام مع أصدقائك على مواقع التواصل، أو كما قال السيسي في خطابه الأخير: “تتكلم مع أسرتك مفيش مشكلة، مع أصحابك ممكن”، ويأتي المشهد الأخير والذي تدخلت فيه العديد من المؤسسات بعملية النقوط في قضية “بي بي سي” ليضع حدودا لهذا الممكن”.

وفي المقابل، زعم الكاتب الصحفي عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين، أن قرار النائب العام “احترازي”، وليس ضد حرية الرأى والصحافة، ولن يهدف لعرقلة الصحفيين والصحافة، فيما دعا عضو مجلس النقابة عمرو بدر، الصحفيين إلى الاحتشاد، الجمعة، في الجمعية العمومية العادية، واعتبرها يومًا للدفاع عن الصحافة حتى لو لم يكتمل النصاب .

تبعية وعدم استقلال!

ولم يفاجأ المراقبون بتماشي النيابة العامة مع النظام منذ الإعداد للإطاحة بالدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في 3 يوليو 2013، ويتهم القضاة المدافعون عن استقلال القضاء في مصر النيابة العامة منذ الانقلاب بمخالفة دورها، وتتهمجبهة استقلال القضاء في مصر النيابة العامة الحالية بالتقصير، والتآمر على الشعب، ومخالفة الدستور والقانون بإحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، وتطالب أعضاء القضاء ابالتنحي عن كل القضايا المتصلة بالصراع السياسي والمعارضين المدنيين للانقلاب العسكري الذي قاده عبدالفتاح السيسي، مؤكدة بطلان كافة الأحكام الصادرة بحق رافضي الانقلاب، وبطلان كافة إجراءات القضايا التي ترتبط بالصراع السياسي الدائر منذ 3 يوليو، مشيرة إلى أنها والعدم سواء، ولا تقدم سوى دليل إدانة للقاضي الذي أصدرها، لتقديمه للجنة الصلاحية في وقت لاحق.

ودعت الجبهة في وقت سابق المجلس الأعلى للقضاء، إلى تعليق كافة القضايا محل النظر -لحين الفصل في النزاع- التي يحاكم فيها أنصار الشرعية ورفض الانقلاب الذي تورط فيه مسؤولو القضاء الحاليون؛ بدعمهم الانقلاب العسكري وإجراءاته الباطلة، وطالبت برحيل المجلس الأعلى للقضاء، وبرفض القضاة الشرفاء للمشاركة في القمع، موضحة أن القضاة المتورطين مع الانقلاب لم يعودوا يصلحون للفصل في أية دعوى ضد مناهضي الانقلاب؛ كونهم أصبحوا خصوما لهم، فضلا عن غرق الدعاوى في البعد السياسي، وبعدها عن أي سند قانوني معتبر.