حذرت الأمم المتحدة من استخدام إسرائيل للمساعدات الإنسانية في قطاع غزة كـ”طعم” لإجبار السكان الفلسطينيين على النزوح من مناطقهم، خاصة من شمال القطاع إلى جنوبه، في ظل تصاعد الأزمة الإنسانية وتدهور الأوضاع المعيشية بشكل غير مسبوق.
استخدام المساعدات أداة للتجويع والتهجير
وأكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن المساعدات التي تدخل إلى غزة يتم توزيعها بإشرافها، في محاولة لمواجهة المزاعم الإسرائيلية بأن حركة حماس تستولي على تلك المساعدات.
لكن الأمم المتحدة حذرت من أن الخطة الإسرائيلية تهدف في جوهرها إلى فرض خيارات صعبة على الفلسطينيين، بين النزوح أو الموت جوعًا.
ووصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) هذه الممارسات بأنها “انهيار أخلاقي عميق”، مؤكدة أن استخدام المساعدات كوسيلة ضغط سياسية يتنافى مع المبادئ الإنسانية الأساسية.
وأشارت إلى أن الأطفال في غزة يعانون بشكل خاص من هذه السياسات، في ظل نقص حاد في الحاضنات واللقاحات والمستلزمات الطبية الضرورية.
تجويع ممنهج وارتفاع أسعار السلع الأساسية
ومع استمرار الحصار الإسرائيلي، ارتفعت أسعار السلع الأساسية في غزة بشكل جنوني، حيث وصل سعر كيلو البطاطس إلى 10.80 دولارات، والبصل مثلها، بينما بلغ سعر الطماطم 7.30 دولارات، هذه الأسعار غير المسبوقة تجعل من الصعب على العائلات توفير احتياجاتها الغذائية الأساسية.
وفي الوقت نفسه، يعاني القطاع الصحي من أزمة خانقة، حيث أكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 10 آلاف مريض في غزة بحاجة إلى إجلاء طبي عاجل، بينهم 4 آلاف طفل، لكن إسرائيل تواصل منعهم من المغادرة.
الأمم المتحدة: غزة تحت حصار شامل
أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن قطاع غزة يعيش تحت حصار شامل للشهر الثالث على التوالي، حيث يواجه أكثر من 70% من سكان القطاع أوامر بالنزوح أو يعيشون داخل مناطق عسكرية مغلقة.
وقالت المتحدثة باسم الأونروا، جولييت توما، إن المنظمة تدير المساعدات التي تدخل إلى غزة بشكل مباشر، مشددة على أن المزاعم الإسرائيلية بتحويل المساعدات غير صحيحة، وأن الوكالة مستعدة لتكثيف المساعدات في حال رفع الحصار.
وأضافت توما أن هناك أكثر من 3 آلاف شاحنة محملة بالمساعدات عالقة خارج غزة، بسبب الإجراءات الإسرائيلية، وهو ما يهدد بتلف تلك المساعدات قبل وصولها إلى السكان المحتاجين.
سياسات إسرائيلية تستغل المعاناة الإنسانية
تواصل إسرائيل حربها ضد سكان غزة، مستخدمة الحصار وسلاح التجويع كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والإنساني.
وتستخدم إسرائيل تقنيات مراقبة مثل تقنية التعرف على الوجه كشرط للحصول على المساعدات، في إجراء يثير القلق حول استغلال المساعدات الإنسانية لأغراض استخباراتية.
وتشير التقارير إلى أن الاحتلال يسعى من خلال هذه السياسات إلى خلق واقع جديد على الأرض، يدفع السكان إلى النزوح الجماعي من شمال القطاع إلى جنوبه، تحت ضغط الحاجة إلى الطعام والدواء، مما يجعل المساعدات الإنسانية تتحول إلى “طعم” لدفع السكان إلى ترك منازلهم.
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة إنسانية، بل هو جريمة مكتملة الأركان ترتكب بحق شعب بأكمله، بينما يواصل المجتمع الدولي صمته أو اكتفاءه بالإدانات الشكلية، ومع استمرار هذه المأساة، يبقى الشعب الفلسطيني وحيدًا يواجه الحصار والجوع والموت.
النداءات الدولية وغياب الاستجابة الفعّالة
رغم التحذيرات الأممية والمناشدات الدولية، لا يزال المجتمع الدولي عاجزًا عن اتخاذ خطوات عملية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، وتكتفي الدول الكبرى بإصدار بيانات الإدانة التي لا تحمل أي تأثير عملي.
وفي الوقت نفسه، تستغل إسرائيل هذا الصمت الدولي لتوسيع عملياتها العسكرية، وفرض سيطرتها الأمنية على القطاع، باستخدام وسائل التجويع والتهجير كأدوات ضغط لفرض إرادتها السياسية.
دعوات حقوقية لوقف الحصار
منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، أكدت أن الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة يرقى إلى جريمة حرب بموجب القانون الدولي، وطالبت بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
كما دعت هذه المنظمات إلى فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية دون قيود، وضمان وصولها إلى مستحقيها دون تمييز أو شروط سياسية.
شهادات من غزة: واقع معيشة لا يُحتمل
في ظل هذا الواقع القاسي، يعيش سكان غزة حياة أشبه بالجحيم. يقول أحد المواطنين إن عائلته اضطرت إلى تقليل وجبات الطعام اليومية إلى وجبة واحدة فقط، في محاولة لتوزيع الطعام المتبقي لأطول فترة ممكنة.
وتضيف سيدة أخرى أن أطفالها لم يتذوقوا الفاكهة منذ أكثر من شهر، وأنهم يعيشون على الخبز والماء، بينما تتفاقم معاناتهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي المستمر، الذي يحرمهم من استخدام الثلاجات لحفظ الطعام.
في هذا الوضع المأساوي، تظل غزة رمزًا للصمود الفلسطيني، بينما يواصل سكانها المقاومة بأبسط الوسائل الممكنة، في مواجهة آلة القمع والتجويع الإسرائيلية.
اقرأ أيضًا : حملة إسرائيلية – إماراتية منسقة ضد قطر: تصعيد متعدد المسارات يستهدف دور الدوحة الإقليمي
اضف تعليقا