كشفت صحيفة “ديلي تليغراف” البريطانية تورط دولة الإمارات في دفع رشاوي لموسوعة غينيس للأرقام القياسية لإدراج إنجازات متعلقة بالحكومة في الموسوعة، ونشر محتوى مُركز خاص بالإمارات هدفها تبييض الصورة القمعية المعروفة عن نظام بن زايد المتورط في ارتكاب جرائم جسيمة ضد حقوق الإنسان.

“موسوعة غينيس” بدأت فكرتها عام 1955، حين صدر كتاب يتضمن أغرب الإنجازات والأرقام القياسية في العالم، وامتد نشر طبعاته السنوية لعامنا هذا، كانت فكرة الكتاب في البداية تتمحور حول نشر حقائق ومعلومات غريبة وطريفة عن الإنسان والطبيعة بشكل عام، مثلًا: أعلى جبل في العالم، أطول رجل، أسرع شخص، إلخ.

لكن على مدار العقود الأخيرة لوحظ أن محتوى الموسوعة بدأ يركز على تلميع صور بلدان بعينها ويحاول الترويج لها وتحسين صورتها بدلًا من نشر الحقائق الغريبة والطريفة.

في تحقيق خاص، نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريرًا الشهر الماضي تحدثت فيه عن “هذه الظاهرة”، وكشفت عن قبول شركة غينيس “الأموال لمساعدة الحكومات الاستبدادية على نشر رسائل إيجابية حول إنجازاتها القياسية”، وشدد التحقيق على أن موسوعة غينيس للأرقام القياسية قد صدقت مؤخرًا على 10 أرقام قياسية جديدة للمملكة العربية السعودية، وأن عدد الأرقام القياسية للبلاد زادت بسرعة ملحوظة منذ عام 2019، على سبيل المثال تضمنت سجلات البلاد لعام 2023 “أكبر درس في الملكية الفكرية” و”أصغر ملعب غولف أخضر عائم.

لفتت الصحيفة إلى أن موقع موسوعة غينيس على الإنترنت اشتمل على سجلات مليئة بالمعلومات الغريبة والأرقام القياسية عن المملكة العربية السعودية والإمارات بشكل ملفت للنظر، ولم يكد يمر أي إنجاز إلا ويتم الاعتراف به بأنه رقم قياسي جديد يُحسب لهذه الدول، وبحسب ما ورد تم تسجيل 526 سجلاً لدولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة الأخيرة، وربط محللون هذا الرقم بحقيقة أن الإمارات أنفقت الملايين على استشارات موسوعة غينيس مدفوعة الأجر.

بالطبع أثارت هذه السجلات الغريبة وهذا التزايد الرهيب في عدد الأرقام القياسية للدول الاستبدادية في المنطقة، وعلى رأسها السعودية والإمارات شكوك ومخاوف مجموعات حقوقية مرموقة، منها على سبيل المثال العفو الدولية التي علقت على الأمر: “في الحقيقة، ما يحدث على أرض الواقع في المملكة العربية السعودية هو أن الشعب يتم تجاهل أبسط حقوقه الإنسانية الأساسية… يتم تقييد حرياتهم ويتعرضون لأشد العقوبات إذا عبروا عن رأيهم”.

وفي تقرير هذا الشهر بعنوان “عشر طرق تنتهك بها السعودية حقوق الإنسان”، حذرت العفو الدولية من أن عمليات الإعدام آخذة في الارتفاع، ويتم التمييز ضد النساء على نطاق واسع، ويتعرض الناس لمحاكمات غير عادلة والتعذيب أثناء الاحتجاز.

من ناحيتها، حذرت هيومن رايتس ووتش من أن الإمارات العربية المتحدة “تستثمر في هذه الاستراتيجية لتصوير البلاد على أنها تقدمية ومتسامحة وتحترم الحقوق بينما تنفذ سياسة عدم التسامح مطلقًا تجاه المعارضة”.

المجموعات الحقوقية ونشطاء حقوق الإنسان أجمعوا أن هذه الدول تستخدم أدواتها لـ “غسل صورتها”، وأنهم استغلوا موسوعة غينيس لتنفيذ هذه الخطة.

في تصريحات خاصة، حذر الباحث البريطاني والمعتقل السابق في الإمارات ماثيو هيدجز من أن منح سلسلة من الأرقام القياسية العالمية لهذه البلدان يرقى إلى “الغسيل الثقافي”، وأضاف “هذا مثال آخر على تأثير القوة الناعمة الذي يظهر في المجتمعات الغربية، حيث تستخدم الدول الاستبدادية نفوذها المالي الكبير لمحاولة الاستفادة من شرعيتها السياسية. إنه أمر خطير وخاطئ على مستويات متعددة…. عندما توفر هذا المنفذ للمستبدين للاحتفال بإنجازاتهم … فإن ذلك يضر بسمعة ونزاهة الموسوعة بأكملها.”

وأضاف هيدجز “عليك أن تفهم أنه من خلال إدراج الأرقام القياسية في موسوعة غينيس، يمكن لهذه البلدان أن تظهر مدى جودتها، في حين أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق… إنه تطبيع لسلوكهم القمعي.. على العاملين في موسوعة غينيس مراجعة سياساتها وطريقة تعاملها مع الدول”.

من ناحية أخرى، قال مراقبون إن “سياسة العمل المتغيرة” الخاصة بموسوعة غينيس ساهمت بشكل كبير في إعطاء فرصة للدول الاستبدادية باستغلال الوضع والمساهمة بأموالهم من أجل شراء “المحتوى” الذي يُكتب في الموسوعة.

لم تخف موسوعة غينيس حقيقة أن سياسة أعمالها متغيرة، في عام 2015، أوضح سام فاي، نائب الرئيس الأول لاستراتيجية العلامة التجارية العالمية في الموسوعة، لمجلة Marketing Week أنه للتكيف مع التحديات التي تواجه صناعة النشر، مثل انخفاض مبيعات الكتب، كانت الموسوعة بحاجة إلى “تعظيم إمكانات تدفقات الإيرادات الجديدة وتعزيز العمل باعتباره “أكثر من مجرد كتاب”، وكجزء من هذا، قامت بالتنويع ولديها الآن فريق تجاري يقوم بإنشاء حملات مخصصة وأحداث حية للعلامات التجارية التي ترغب في تعزيز تسويقها أو علاقاتها العامة من خلال تحطيم الأرقام القياسية.

في مقال نشرته قناة Vox عام 2015 حول هذه الإستراتيجية الجديدة، تم وصف موسوعة غينيس بأنها “أصبحت شركة إعلانات محلية الآن، تمزج المحتوى بالتسويق بسلاسة”.

وبعد أربع سنوات من هذه التقارير، أصبحت أخلاقيات الموسوعة موضع تساؤل من قبل منظمات حقوق الإنسان بعد أن اتهمها الممثل الكوميدي جون أوليفر بالمساعدة في دعم النظام الاستبدادي في تركمانستان، إذ تم التحدث عن إنجازات الدولة وأنها حققت 19 رقما قياسيا عالميا، من بينها “أكبر عدد من حمامات النافورة في مكان عام” و”أكبر سقف على شكل نجمة”.

 تنقلت ملكية موسوعة غينيس بين أكثر من مالك على مدار 70 عامًا من وجودها، في الآونة الأخيرة، في عام 2008، تم بيعها إلى مجموعة جيم باتيسون، وهي تكتل كندي والشركة الأم لشركة ريبلي إنترتينمنت التي أطلقت خدماتها الاستشارية في عام 2009، وتقدم للعملاء المساعدة في دمج “الرسائل الرئيسية وقيم العلامة التجارية لتقديم حملة قياسية تشرك جمهورك بالأصالة”.

أولئك الذين يدفعون مقابل الخدمات الاستشارية سيتم استكمال نماذج الطلبات الخاصة بهم وسيتم تقديم المشورة لهم للمساعدة في تحقيق الرقم القياسي. أو، كما تقول الموسوعة، “سيعملون على تحقيق أقصى قدر من النتائج المرجوة من خلال حل مخصص قائم على السجلات يتماشى مع أهدافك”. 

يقال إن هذه الخدمة الاستشارية تجني الآن أموالاً أكثر من عملية بيع وتوزيع الموسوعة، حيث تظهر حساباتها لعام 2022 أنها حققت 12.37 مليون جنيه إسترليني من الاستشارات و12.32 مليون جنيه إسترليني من البيع في ذلك العام، وقالت إنه من بين 223 سجلاً متعلقين بالمملكة العربية السعودية، فإن 135 منها جاء من مشاورات مدفوعة الأجر.

  

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا