ترجمة مقال لـ مارك ألموند- مدير معهد أبحاث الأزمات في أكسفورد

في أكبر عملية إعدام جماعي في التاريخ الحديث للمملكة، قامت السلطات السعودية بقتل 81 معتقلاً بعد أحكام صادرة عن محاكمات انتقدتها الكثير من المنظمات الحقوقية.

بالرغم من فداحة الجريمة، تغاضى الغرب عن انتقادها أو اتخاذ موقف من السلطات في المملكة بسبب الحاجة إلى النفط في وقت تحاول فيه الدول زيادة الضغط على روسيا.

في وقت سابق من هذا الأسبوع، تردد أن بوريس جونسون -رئيس الوزراء البريطاني- سيتوجه إلى المملكة العربية السعودية لإجراء محادثات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حول النفط، حيث يسعى الغرب لكسر اعتماده على البتروكيماويات الروسية وسط الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي تطور مثير للاشمئزاز، أعدم السعوديون يوم السبت 81 شخصا بتهم “الإرهاب” والقتل وجرائم أخرى من بينها “اعتناق معتقدات منحرفة” و “اتباع خطى الشيطان”.

في ظل الظروف العادية، ربما كنا نتوقع أن تدين بريطانيا هذا الحدث المروع، تمامًا كما فعلت الحكومة عام 2018 عندما قُتل الصحفي السعودي الشجاع جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول وقطعت أوصاله، في جريمة تقول التقارير الغربية إنها حدثت بأوامر مباشرة من بن سلمان.

لكن هذه المرة، لم يُسمع صوت الانتقادات الحكومية -حتى الآن-.

تبرر الدول هذا بأنه في الوقت الذي يحاول فيه العالم الحر تصعيد الضغط ضد روسيا – مما يؤدي إلى وضع حد لإراقة الدماء في أوكرانيا – تحتاج بريطانيا والغرب إلى تعزيز العلاقات مع بعض الحلفاء المراوغين، مهما كان ذلك بغيضًا.

تجبر الحرب الدول على تقديم تنازلات أخلاقية مروعة: شاهد كيف أبرم الحلفاء، خلال الحرب العالمية الثانية، صفقة مع القاتل الجماعي ستالين في القتال المشترك ضد هتلر.

على الرغم من وحشية أحدث عملية إعدام جماعي في المملكة العربية السعودية، لم يكن أمام بوريس والرئيس الأمريكي جو بايدن خيار سوى التقرب من محمد بن سلمان.

لسبب واحد، يتسبب ارتفاع أسعار النفط في حدوث تضخم محلي وأسوأ أزمة تكلفة معيشية منذ عقود، إنها أخبار مقلقة لبوريس ومشكلة خطيرة لبايدن على وجه الخصوص، الذي يواجه انتخابات التجديد النصفي هذا العام.

من ناحية أخرى، تساعد واردات الغرب من النفط والغاز الروسي بالطبع في دفع تكاليف حرب بوتين، هذا هو السبب في أن تلك الدول تتطلع بشكل متزايد إلى مصدري النفط الآخرين – وخاصة السعوديين والإمارات العربية المتحدة – لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار.

اتبعت السيدة تاتشر والرئيس ريغان بنجاح نفس النهج في الثمانينيات، بعد غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان.

لكن الأمر اليوم ليس بهذه البساطة، السعوديون لديهم أسواق أخرى لنفطهم في الوقت الحاضر، وهم بحاجة إلى الغرب أقل مما كانوا يحتاجون إليه قبل 40 عامًا.

في الواقع، عندما حاول البيت الأبيض فتح مفاوضات بشأن سعر النفط الأسبوع الماضي، رفض محمد بن سلمان الاستجابة لنداء بايدن.

لكن قد يكون لبوريس جونسون بعض النفوذ؛ لأن السعوديين يشترون الكثير من الأسلحة من المملكة المتحدة، ويقوم سلاح الجو الملكي البريطاني والجيش بتدريب قواتهم.

يمتلك ولي العهد ورفاقه أيضًا قدرًا كبيرًا من الاستثمارات في بريطانيا، كما أن محمد بن سلمان يمتلك الشركة التي تدير نيوكاسل يونايتد، في صفقة لاقت الكثير من الانتقادات الحقوقية بسبب سجل المملكة المروع ضد حقوق الإنسان.

الواقع يقول إن عملية الإعدام العلنية ليست سوى البداية من قبل النظام السعودي… منذ سبع سنوات، تسببت الحرب السعودية بالوكالة ضد إيران في اليمن في أسوأ كارثة إنسانية في العالم، نتج عنها مقتل الآلاف من الأبرياء، وتركت البلد في مجاعة متصاعدة، وبدلاً من اتخاذ موقف حاسم من هذه الجرائم التي راح ضحيتها آلاف الأطفال، استطاع محمد بن سلمان اقناع الأمم المتحدة بإيقاف عمليات مراقبة حقوق الإنسان – حتى لا يتمكن العالم من معرفة معاناتهم.

إذا رفضت المملكة العربية السعودية زيادة إنتاج النفط – أو أن انتهاكاتها لحقوق الإنسان تجعل إبرام صفقة مستحيلة سياسيًا – فمن سيكون مصدر النفط بالنسبة لدول الغرب؟

لا توجد خيارات جيدة على المدى القصير… تمتلك إيران الكثير من “الذهب الأسود”، لكن سجلها في مجال حقوق الإنسان ليس أقل وحشية من السعودية، كما أن هناك حظر عالمي على النفط الإيراني بسبب برنامج طهران النووي.

علاوة على ذلك، سيكون الإسرائيليون والسعوديون غاضبين من أي محاولات من جانب الغرب لإعادة تأهيل إيران.

خيار آخر هو فنزويلا – وهي أيضاً دولة منبوذة غنية بالنفط وتخضع حاليًاً لعقوبات دولية، ترفض بريطانيا وأمريكا الاعتراف بالنظام الاستبدادي نيكولاس مادورو، وتتهمه باغتصاب السلطة من خلال تزوير الانتخابات في 2018 وتزوير الانتخابات المحلية العام الماضي.

ومع ذلك، هناك بالفعل دلائل على أن الموقف الأمريكي بشأن فنزويلا يتراجع، مع محادثات رفع العقوبات، وبما أن بنك إنجلترا يحتفظ باحتياطيات فنزويلا الوطنية من الذهب، بينما يحرمهم حاليًا من الوصول إلى هذه الثروة، فقد يكون لدى بريطانيا بعض النفوذ على مادورو.

لكن فنزويلا تعيش حالة من الفوضى، حيث يعيش 95 % من سكانها في “فقر مدقع”، ويعانون من انقطاع التيار الكهربائي ونقص الغذاء والدواء واقتصادهم غارق في التضخم المفرط.

وليس هناك ما يضمن أن مادورو يمكنه زيادة الإنتاج بسرعة كافية.

السياسة الواقعية لهذا الوضع هي أنه لتحرير أنفسنا من اعتمادنا على الوقود الأحفوري الروسي، علينا أن نغض الطرف عن الشرور الأخرى في الأنظمة الأخرى.

نحتاج – مرة أخرى – لعقد اتفاق مع الشيطان.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا