في خطوة جديدة لتوسيع النفوذ السعودي عبر الرياضة وتلميع صورة النظام، أعلنت شركة TKO القابضة، المالكة لشركتي UFC وWWE، عن إطلاق دوري ملاكمة جديد بالشراكة مع تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، وشركة “سِلا” السعودية، ما يشكّل امتدادًا واضحًا لسياسات الغسيل الرياضي.

الهدف المُعلن لهذا المشروع هو “إعادة أمجاد الملاكمة”، بحسب ما ورد في تصريحات المسؤولين، لكن الحقيقة الواضحة هي استمرار استخدام المال والنفوذ لشراء الصورة العالمية وتعزيز سلطة النظام الحاكم في السعودية، حتى ولو كان ذلك على حساب القضايا الحقوقية، والضحايا الذين يقمعهم النظام داخل وخارج المملكة.

بحسب صحيفة  Daily Mail، فإن المشروع سيتم تشغيله بإشراف مباشر من رئيس UFC دانا وايت ورئيس WWE نِك خان، ما يضفي عليه طابعًا من “المصداقية” في الوسط الرياضي، رغم كونه أداة سياسية بالدرجة الأولى. لم تُكشف بعد تفاصيل العقود الخاصة بالنجوم الكبار، لكن تسريبات كشفت عن المكافآت المادية التي ستُمنح للمقاتلين الأقل شهرة، في محاولة لشراء موافقتهم على الانضمام إلى هذه المنصة.

لكن ما أثار الجدل فعلًا هو ما ورد عن المكافآت التي سيحصل عليها الملاكمون، والتي تتراوح بين 20 ألف دولار و750 ألف دولار، وفقًا لموقع Boxing Scene. فالملاكم غير المصنّف سيتقاضى 20 ألف دولار عن نزال من 10 جولات، بينما يحصل من يحتلون المراكز بين الخامس والعاشر على 50 ألف دولار، ويرتفع الرقم إلى 125 ألفًا لمن هم في المركزين الثالث والرابع.

أما من يتحدّون على لقب “الشركة”، فستصل مكافآتهم إلى 375 ألف دولار، فيما يتقاضى حامل اللقب 750 ألف دولار في حال دافع عنه. كل ذلك وسط دعم سعودي سخي، يُستخدم لإغراء الرياضيين بالمشاركة وتلميع صورة النظام السعودي الذي يسعى لتثبيت نفوذه في الرياضة العالمية تمامًا كما يفعل في الغولف، المصارعة، وسباقات الفورمولا.

هذه الأرقام تكشف حجم الإغراءات المالية التي يُغدق بها هذا المشروع على الرياضيين من أجل جذبهم إلى المشاركة في برنامج ترفيهي قائم على تطبيع النفوذ السعودي في الساحة الرياضية الدولية.

دانَا وايت صرّح لمجلة The Ring بأن النموذج المتبع سيكون شبيهًا بـ UFC، حيث “يقاتل الأفضل ضد الأفضل”، مشيرًا إلى أنه لا مكان لتعدد الجهات المنظمة أو الأحزمة المختلفة، وأن من يحمل لقب الدوري الجديد سيكون “بلا منازع الأفضل في فئته”. لكن هذه التصريحات لا تخفي حقيقة أن كل شيء في هذا المشروع يتمحور حول السيطرة السعودية على قطاع الملاكمة العالمي واستغلاله لأغراض سياسية ودعائية.

تركي آل الشيخ، المعروف بدوره في مشاريع تلميع النظام السعودي وتوظيف المال العام لاستقطاب الرياضيين والمشاهير، يواصل سياسة تطويع الرياضة لخدمة أجندة النظام، سواء عبر استضافة الفعاليات العالمية في الرياض، أو التعاقد مع أسماء بارزة في كرة القدم، أو الآن عبر هذا المشروع الجديد في الملاكمة.

اللافت أن هذه الخطوة تأتي في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية لسجل السعودية في حقوق الإنسان، لا سيما بعد تصاعد القمع الداخلي، والاستهداف الممنهج للنشطاء والمعارضين، إلى جانب المجازر الجارية في اليمن، والدعم المستمر لسياسات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم ذلك، يسعى النظام السعودي عبر هذه المشاريع إلى إزاحة الأنظار عن جرائمه من خلال بريق الرياضة والمال. والآن، تُوظّف الملاكمة لتكون أحدث واجهة لهذا الغسيل المنهجي، تحت غطاء تطوير اللعبة ومنح فرص للمقاتلين حول العالم.

إن هذه الأرقام الضخمة، وهذه الاستراتيجيات الإعلامية، لا تهدف إلى خدمة الرياضة أو النهوض بها، بل إلى تبييض صورة نظام يتجاهل حقوق الإنسان، ويواصل إنفاق المليارات في سبيل كسب الولاء الدولي وشراء النفوذ، بينما يعاني مواطنوه من التضييق والقمع، وتُقمع شعوب أخرى بدعمه في ساحات أخرى.