يبدو أن الحرب الدامية التي تمزق السودان منذ أكثر من عام تدخل مرحلة جديدة، بعد أن أعلن الجيش السوداني سيطرته الكاملة على مدينة الدبيبات بجنوب كردفان، في تطور عسكري لافت يكشف عن تراجع متسارع في نفوذ قوات الدعم السريع المدعومة إماراتيًا. 

وقد رافق هذا التقدم البري تهديد صريح من “قوات درع السودان”، المتحالفة مع الجيش، بمنح الميليشيات 48 ساعة فقط لمغادرة مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، مما يفتح الباب أمام مرحلة من المواجهات المباشرة في أهم معاقل “الدعم السريع”.

السيطرة على الدبيبات: بوابة كردفان نحو التحرير

استعادة الجيش السوداني مدينة الدبيبات، التي تقع على بعد 186 كيلومترًا من كادوقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان، تمثل ضربة قوية لقوات الدعم السريع وخطوة استراتيجية تمهد لتأمين كامل إقليم كردفان، المؤلف من ثلاث ولايات متجاورة، وتسهّل التوغل باتجاه إقليم دارفور الذي يشهد منذ شهور مجازر دموية بحق المدنيين على يد الميليشيات.

الدبيبات ليست مجرد بلدة عادية، بل تمثل عقدة مواصلات تربط جنوب كردفان بشمالها وشرق دارفور، مما يجعلها هدفًا بالغ الأهمية في خارطة المعارك.

استعادتها تتيح للجيش السوداني التحرّك بحرية أكبر نحو الدلنج، ثاني أكبر مدن جنوب كردفان، وفك الحصار المضروب عليها منذ شهور.

المقاطع المصورة التي بثها جنود الجيش من داخل المدينة أظهرت معنويات مرتفعة وسيطرة ميدانية واضحة، بينما تحدثت بيانات عسكرية عن خسائر فادحة تكبدتها قوات الدعم السريع في الأرواح والمعدات، ما يعزز الرواية القائلة بأن الجيش، بمساعدة “قوات درع السودان” ومجموعات مدنية مسلحة، بدأ مرحلة استعادة المدن من قبضة الميليشيات، بدعم شعبي ومجتمعي لافت.

إنذار الفاشر: الطريق إلى دارفور يشتعل

بالتوازي مع هذه التطورات، أعلن أبو عاقلة كيكل، قائد “قوات درع السودان”، عن مهلة نهائية لقوات الدعم السريع لمغادرة مدينة الفاشر، وهي من أهم الحواضر في شمال دارفور وتشهد حصارًا خانقًا أدى إلى كارثة إنسانية حقيقية.

كيكل تعهد، في خطاب ناري أمام مقاتليه، بالتوجه مباشرة نحو الفاشر، مؤكدًا أن جميع التشكيلات المسلحة المتحالفة مع الجيش تستعد لمعركة فاصلة تهدف إلى كسر الحصار وتحرير المدينة من الميليشيات.

وتأتي هذه المهلة في وقت تصاعدت فيه وتيرة الجرائم المرتكبة من قبل الدعم السريع ضد المدنيين في دارفور، حيث تم توثيق مجازر وعمليات تطهير عرقي في مدن مثل الجنينة وزالنجي والطينة، وهي جرائم أُشير في العديد من التقارير الحقوقية إلى أن الإمارات العربية المتحدة قدّمت الدعم اللوجستي والمالي للميليشيات التي ارتكبتها، في إطار صراع النفوذ الذي تغذّيه أبو ظبي في القرن الإفريقي.

الدعم السريع يناور.. ولكن الخناق يضيق

في رد على تقدم الجيش، خرج عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع وشقيق زعيمها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بتصريحات تحدّ فيها الجيش قائلاً إن قواته “حيّدت الطائرات الحربية”، وإن المعارك أصبحت التحامية ومباشرة.

لكنّ الواقع الميداني يعكس شيئًا مختلفًا، فخسارة الخرطوم والنيل الأبيض، وسقوط الدبيبات، والخناق المتزايد على الفاشر، تؤشر إلى انهيار تدريجي في قدرات الميليشيات، رغم تسليحها الثقيل والدعم الخارجي المستمر.

وتتحدث تقارير ميدانية عن أن الدعم السريع لم يعد يسيطر سوى على أجزاء متفرقة من ولايتي شمال وغرب كردفان، وجيوب صغيرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، إلى جانب بعض الحواضر في ولايات دارفور الخمس، خاصة نيالا والفاشر، لكن سيطرته فيها باتت مهددة مع اقتراب الجيش.

الدور الإماراتي في تغذية الإبادة

في حين ينشغل المجتمع الدولي بالبيانات الدبلوماسية، تتصاعد الاتهامات ضد دولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم دعم مباشر لقوات الدعم السريع، عبر نقل الأسلحة والمعدات إلى السودان من قواعدها في إريتريا وليبيا، وهو ما كشفته تقارير دولية واستقصاءات صحفية عديدة.

ويذهب البعض إلى القول إن الحرب الحالية في السودان لم تكن لتستمر بهذا العنف والدموية لولا الدعم الإماراتي المتواصل، والذي تجاوز المساعدات إلى حد توفير غطاء سياسي ومالي للميليشيات.

وقد أفضى هذا الدعم إلى وقوع ما يُصنّف قانونيًا كجرائم إبادة جماعية، لاسيما في دارفور التي تعاني من تطهير عرقي ممنهج بحق قبائل الزغاوة والمساليت والفور، وهي نفس القبائل التي كانت ضحية مذابح نظام البشير المدعوم حينها من حميدتي والدعم السريع.

خاتمة: هل تقترب الحرب من نهايتها؟

رغم أن مشهد الحرب لا يزال معقدًا، إلا أن تقدّم الجيش السوداني، خاصة في المناطق الحيوية مثل الدبيبات، وإطلاق مهلة حاسمة في الفاشر، يشير إلى تغيّر في ميزان القوى. لكنّ المعركة الكبرى لم تبدأ بعد، وهي تلك التي تُهدد بنقل الحرب إلى آخر معاقل الدعم السريع في دارفور.

وفي غياب ضغط دولي حقيقي على داعمي الميليشيات، وفي مقدمتهم الإمارات، فإنّ إنهاء الحرب لا يبدو ممكنًا دون مواجهة سياسية شاملة تطال الجذور الخارجية للصراع، وتُحمّل أبو ظبي تبعات دعمها للمجازر والانتهاكات.

اقرأ أيضًا : هجوم واشنطن يفجّر أزمة داخلية.. دماء الدبلوماسيين تشعل معركة اتهامات بين قادة الاحتلال