على الرغم من التصريحات الوردية عن الوضع الاقتصادي… يشكو المصريين صعوبة المعيشة.

يقول الخبراء الاقتصاديون والمسؤولون في البنوك الاستثمارية المختلفة إن الإصلاحات الاقتصادية في مصر حققت نجاحاً هائلاً، وهي تصريحات ينفيها المصريون على أرض الواقع ويؤكدون أنها محض أكاذيب.

في حوار أجرته رويترز مع “زينب”- وهي مواطنة مصرية من كبار السن، أثناء تجولها في أحد الأسواق في القاهرة، قالت عن تصريحات المسؤولين “لا أعتقد ذلك”، وأضافت “كل شيء مكلف”، مستدركة “أقصد، الأشياء الأساسية- الكهرباء باهظة الثمن، الغاز باهظ الثمن، المياه باهظة الثمن، المعيشة بأسرها باهظة الثمن. ماذا يفعل الناس؟ هل يسرقون للعيش؟!”

على الورق، تُظهر البيانات والإحصاءات أن الإصلاحات التي تمت بالتعاون مع صندوق النقد الدولي عام 2016، حققت نجاحات مختلفة، حيث سجل التضخم الشهر الماضي أدنى مستوياته فيأربع سنوات، على الرغم من جولة ارتفاع أسعار الوقود التي ضربت البلاد، كما انخفضت البطالة إلى 7.5 ٪ في الربع الثاني من عام 2019، بعد أن كانت 9.9 ٪ في نفس الفترة من عام 2018، بالإضافة إلى توسع القطاع الخاص غير النفطي بشكل طفيف في يوليو/تموز.

هذه النتائج التي تظهرها التقارير الرسمية في مصر، جعلت من المصرفيين يصفون مصر بأنها واحدة من أهم الأسواق الناشئة، فارتفعت استثمارات الديون، كما قام البنك المركزي الأسبوع الماضي بخفض أسعار الفائدة، ويتوقع المحللون مزيداً من تلك التخفيضات.

على أرض الواقع، يقول المصريون “العاديون”، أنهم لا يرون أي من تلك النتائج في حياتهم، لم تشهد حياتهم اليومية أي تحسن، في ظل الارتفاع المستمر في الأسعار على مدار السنوات الماضية، مع انخفاض قيمة العملة والتقشف الذي فُرض عليهم مقابل قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار.

رغم الإخفاقات الاقتصادية التي تنعكس على حياة المصريين العاديين، لم توجد أي احتجاجات على تردي الأوضاع الاقتصادية، ولعل السبب في ذلك كونهم في بلد يصفه النشطاء الحقوقيون أنه من أشد المحاربين للحريات، والنتيجة أن المصريين أصبحوا محبطين بصورة ملحوظة، خاصة بعد أن طُلب منهم التحلي بالصبر للوصول لحياة أفضل طيلة الخمس سنوات الماضية.

في بلد يقول نشطاء حقوق الإنسان إنه في خضم حملة على الحريات ، لم يكن هناك أي دليل على الاحتجاجات. لكن المصريين ، الذين طُلب منهم التحلي بالصبر لحياة أفضل لمدة خمس سنوات ، أصبحوا محبطين بشكل متزايد.

أحد المواطنين البسطاء قال لرويترز متحدثاً عن المسؤولين “لا يشعرون بأي شخص.. في الواقع، هم لا يشعرون بأي أحد”، متابعاً “على الرئيس أن يعلم أن هناك الكثير من الفقراء، الناس لا يعلم عن حالهم سوى الله… فهل أسديت لنا معروفاً أيها الرئيس وأرسلت لنا من يساعدنا”.

من ناحية أخرى، نجد أنه وبحسب التصريحات الرسمية، فإن تدابير صندوق النقد الدولي قد صُممت للسيطرة على عجز الموازنة، وعلى ميزان المدفوعات في مصر بعد الاضطرابات الاقتصادية التي عرت البلاد بعد ثورة 2011 التي أطاحت بحسني مبارك.

منظمة رينيسانس كابيتال ومقرها المملكة المتحدة، قالت في تقرير صدر في يونيو/حزيران، إن قصة الإصلاح في مصر “هي الأفضل في (أوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأفريقيا)، من وجهة نظرنا ، وربما في الأسواق الناشئة بشكل عام”، مضيفة ” نحن لا نزال متفائلين للغاية بشأن مصر، في المقابل، لم تلق تصريحاتها قبولاً في صفوف المواطنين البسطاء في مصر، حيث قال أحمد -وهو حرفي نسيج يبلغ من العمر 61 عاماً “بالنسبة لي… السنوات الخمس الماضية كانت بائسة للغاية”، وقد طلب أحمد من رويترز ألا يُذكر اسمه كاملاً لأغراض السلامة.

الجميع يدفع

قالت هيئة الإحصاء الحكومية في يوليو/تموز أن نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفعت إلى 32.5 ٪ في السنة المالية 2018/2017، في حين كانت 27.8 ٪ في السنة المالية2015/2016، ويُحدد الخط الوطني للفقر عند 8827 جنيها مصريا (534 دولارا) سنويا.

ووفقاً لمؤشر مديري المشتريات التابع لـ IHS Markit، فقد تقلص التوظيف في القطاع الخاص غير النفطي في 53 من الـ 60 شهرًا الماضية.

من ناحية أخرى ارتفعت أجور العاملين في الخدمة العامة بمعدل 3.4 ٪ على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2018، وفقاً لحسابات رويترز بناءً على بيانات وزارة المالية – وهو ما لا يكفي تقريبًا لمقارنة التضخم الذي وصل إلى 33 ٪ في عام 2017.

محسن كمال -خباز في منتصف العمر، قال في حوار مع رويترز “إن الشباب يكافحون من أجل العثور على عمل، ويتقاضون رواتب منخفضة عندما يجدون وظائف، خاصة إذا كانوا يريدون كسب ما يكفي لتكوين أسرة”، مضيفاً “كم سيتقاضى الشاب؟ 3000 جنيهاً؟ حسنًا، إيجار الشقة يتراوح تقريباً بين 1200 إلى 1700 جنيه، فكم سيتبقى له لدفع فواتير المياه والغاز والكهرباء؟ بالإضافة إلى المواصلات… أرخص تذكرة للحافلات العامة اليوم أصبح 5جنيهات.

أما عصام -وهو بائع فواكه في منتصف العمر، قال “من يدفع الثمن الآن بعد ارتفاع أسعار الوقود؟… نحن جميعاً ندفع الثمن!”.

أصوات أخرى خرجت مطالبة الحكومة المصرية بتغيير سياساتها الحالية في مواجهة الأزمات الاقتصادية، حيث وضعت الحكومة برامج شبكات الأمان المستهدفة للمساعدة في الحد من آثار تدابير التقشف والتضخم، حيث قال أنجوس بلير رئيس مركز الأبحاثSignet الذي يتخذ من القاهرة مقراً له، إنه يتعين على الحكومة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية بدلاً من التركيز على المشروعات الضخمة، وأضاف إنه يجب التعامل مع القطاع الخاص لمساعدته على النمو بشكل أسرع.

من جهته، وعلى مدار سنوات حكمه، تركزت تصريحات عبد الفتاح السيسي في كافة المناسبات على مطالبته المصريين بالصبر على التقشف، مع وعود بأن الإصلاحات التي يقوم بها ستؤول بهم إلى تحسين مستوى المعيشة.

وتولى السيسي منصبه كرئيس للبلاد في 2014 بعد أن قاد الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، محمد مرسيجماعة الإخوان المسلمين، عام 2013.

وأخيراً، قال محسن- أحد المواطنين، عن الصبر الذي يطلبه السيسي “كل ما يُطلب مننا هو شيء واحد فقط، الانتظار وفقط”، متابعاً “لقد سئمت الانتظار”، “حتى الآن لم أرى أي تحسن، ليس أمامي سوى الصبر، ولكن، ما نهاية هذا الصبر؟!”

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا