في أول اختبار حقيقي لجدية الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة كير ستارمر تجاه قضايا حقوق الإنسان، أعلنت لندن عن اتصال هاتفي بين رئيس الوزراء البريطاني وعبد الفتاح السيسي، تناول إلى جانب الوضع الإنساني المتدهور في غزة، ملف المعتقل السياسي علاء عبد الفتاح، أحد أبرز رموز ثورة 25 يناير، والذي لا يزال رهن الاعتقال التعسفي رغم انتهاء فترة سجنه رسميًا منذ أكثر من 8 أشهر.

الاتصال، الذي جاء في توقيت حساس على الصعيدين الإقليمي والدولي، أعاد إلى الواجهة قضية علاء عبد الفتاح، التي باتت تمثل حرجًا متصاعدًا للنظام المصري أمام المجتمع الدولي، في ظل اتهامات مستمرة بانتهاك حقوق الإنسان، وممارسات وصفتها منظمات دولية بأنها “إجرام ممنهج ضد المعتقلين السياسيين”.

قلق بريطاني متزايد وسط إنكار مصري

بحسب بيان الحكومة البريطانية، أعرب ستارمر عن “قلقه العميق” إزاء استمرار احتجاز عبد الفتاح، مشيرًا إلى أن الإفراج عنه “أمر ملح لا يحتمل التأجيل”، خاصة بعد انتهاء فترة سجنه في سبتمبر 2024. 

وذكّر السيسي بأن عبد الفتاح يحمل الجنسية البريطانية منذ عام 2021، وهو ما يستوجب – وفق القانون الدولي – السماح للسفارة البريطانية بزيارته وتقديم الدعم القنصلي له.

لكن القاهرة، وكعادتها في ملفات الجنسية المزدوجة، لا تزال ترفض الاعتراف بجنسية علاء البريطانية، رغم أن والدته الأكاديمية “ليلى سويف” تحمل الجنسية ذاتها. 

ويشكل هذا الرفض حجر عثرة أمام أي تحرك بريطاني فاعل، وهو ما تسعى حكومة ستارمر إلى تجاوزه بالضغط الدبلوماسي المباشر.

وكان عبد الفتاح قد حُكم عليه في ديسمبر 2021 بالسجن خمس سنوات، بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، إثر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاكمة وُصفت من قبل منظمات حقوقية بـ”الهزلية”. 

وقد أنهى فترة عقوبته رسميًا منذ أشهر، إلا أن السلطات المصرية ترفض إطلاق سراحه، فيما يصفه الحقوقيون بأنه “احتجاز تعسفي” يعكس الوجه الحقيقي لسياسة السيسي تجاه معارضيه.

الملف الحقوقي أمام حكومة العمال: اختبار الأخلاق والمصالح

تُعد هذه المكالمة أول مؤشر على استعداد حكومة حزب العمال الجديدة لكسر تقاليد الحكومات البريطانية السابقة، التي اتُهمت بتجاهل الملف الحقوقي المصري مقابل التعاون الاقتصادي والعسكري. 

ويأتي هذا في وقت يتعرض فيه ستارمر لضغوط داخلية من نواب حزبه ومنظمات حقوقية لاتخاذ موقف أكثر حزمًا تجاه “نظام السيسي القمعي”، خاصة في ظل استمرار حملات القمع ضد الصحفيين والنشطاء والمحتجين السلميين.

وكانت ليلى سويف، والدة علاء، قد دخلت في إضراب جزئي عن الطعام منذ أكثر من 230 يومًا، وقد فقدت أكثر من 36 كيلوجرامًا من وزنها، وفق صحيفة الغارديان، مما أثار تعاطفًا واسعًا في بريطانيا، حتى بين الأوساط السياسية التي طالما تحاشت الخوض في ملف عبد الفتاح. 

وأدت الأزمة الصحية التي تعرضت لها في فبراير الماضي إلى إطلاق دعوات برلمانية تطالب بإرسال وفد بريطاني رسمي لمتابعة قضيته.

في المقابل، تجاهل البيان المصري الرسمي الصادر عن الرئاسة الإشارة إلى ملف علاء عبد الفتاح تمامًا، مكتفيًا بالحديث عن “جهود مصر لتحقيق التهدئة في غزة”، وهي صيغة باتت مكررة لا تخفي غياب أي نية للإفراج عن المعارضين السياسيين، بل تؤكد مضي النظام في سياسة كمّ الأفواه.

جرائم ممنهجة ضد المعتقلين.. عبد الفتاح ليس استثناءً

ولا يمكن فصل قضية علاء عن السياق العام للسياسات القمعية التي ينتهجها النظام المصري بحق عشرات آلاف المعتقلين السياسيين، الذين يعيش كثير منهم في ظروف احتجاز وصفتها المنظمات الحقوقية بـ”اللاإنسانية”، تشمل التعذيب، والحبس الانفرادي لسنوات، والحرمان من الزيارة والرعاية الطبية، وحتى دفن الجثامين دون إبلاغ ذويهم كما حدث مع حالات موثقة في السنوات الأخيرة.

ويعتبر النظام المصري أي دعوة للإفراج عن المعتقلين تدخلاً في “الشؤون الداخلية”، في محاولة دائمة للتملص من الالتزامات الحقوقية الدولية، مستخدمًا في ذلك مزيجًا من الإنكار والتسويف والتلاعب بالقوانين. 

لكن مع علاء عبد الفتاح، تبدو المراوغة مكلفة، خصوصًا إذا تبنت بريطانيا نهجًا صارمًا في الضغط من خلال أدوات دبلوماسية واقتصادية، كتجميد التعاون الأمني أو مراجعة عقود الاستثمار.

هل يكسر ستارمر صمت الحكومات السابقة؟

تكشف المكالمة بين ستارمر والسيسي عن بداية مسار محتمل يعيد الاعتبار للمعايير الحقوقية في السياسة الخارجية البريطانية، لكنه مسار محفوف بالعقبات، في ظل تعنت القاهرة وتداخل المصالح الأمنية والاقتصادية.

ويبقى السؤال المفتوح: هل ستترجم حكومة حزب العمال هذا “القلق” إلى خطوات عملية تُرغم النظام المصري على إطلاق سراح علاء عبد الفتاح وإنهاء معاناة أسرته؟ أم أن بيان الاتصال سيضاف إلى سلسلة طويلة من التصريحات الغربية التي تذوب في رمال الصمت والتواطؤ؟

ما لم يتحول القلق الدبلوماسي إلى ضغط فعلي، ستظل قضية عبد الفتاح شاهداً دامغًا على التواطؤ الدولي مع قمع السيسي، ووصمة عار في جبين من يرفعون راية الديمقراطية وحقوق الإنسان ثم يبتلعونها أمام صفقات السلاح وصفقات الغاز.

اقرأ أيضًا : شيخ الأزهر يقرع ناقوس الخطر.. حصار غزة “جريمة مكتملة الأركان” والمجتمع الدولي شريك بالصمت