في تطور غير مسبوق، أعلنت قوات إدارة الأمن العام في سوريا إلقاء القبض على العميد عاطف نجيب، الرئيس السابق لفرع الأمن السياسي في درعا، وابن خالة بشار الأسد، خلال حملة أمنية في محافظة اللاذقية.

يعد نجيب أحد أكثر الشخصيات المكروهة في تاريخ سوريا الحديث، إذ أحد أسباب إشعال شرارة الثورة السورية عام 2011 بعد اعتقال وتعذيب أطفال درعا، وعلى رأسهم الطفل حمزة الخطيب، الذي أصبح أيقونة الثورة بعد أن سُرِّبت صور جثته المشوهة، في واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها النظام بحق المدنيين.

اعتقال نجيب اليوم هو انتصار جديد للثورة السورية، ورسالة واضحة بأن زمن الإفلات من العقاب قد انتهى، وأن كل من تورط في الجرائم والانتهاكات لن يجد ملاذًا آمنًا، حتى داخل معاقل النظام السابقة.

القيادة السورية الجديدة تفرض سيطرتها الأمنية

لم يكن اعتقال نجيب حدثًا معزولًا، بل جاء ضمن حملة أمنية واسعة أطلقتها القيادة السورية الجديدة، والتي تسعى إلى تفكيك شبكات الفساد والقمع التي كانت تحكم البلاد بقبضة حديدية. منذ سقوط الأسد، تحاول الحكومة الانتقالية إعادة بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية على أسس جديدة، تضمن حماية حقوق المواطنين بدلاً من قمعهم.

التقارير القادمة من دمشق تشير إلى أن السلطات بدأت فعليًا بملاحقة قادة الأمن والاستخبارات السابقين، بمن فيهم مسؤولون متورطون في عمليات القتل الجماعي، مثل اللواء محمد كنجة حسن، الذي كان مسؤولًا عن إصدار آلاف أحكام الإعدام في سجن صيدنايا سيئ السمعة.

هل يقترب الأسد من قبضة العدالة؟

لا يخفى على أحد أن القيادة السورية الجديدة تسعى إلى تقديم بشار الأسد نفسه للعدالة، باعتباره المسؤول الأول عن الدمار الذي لحق بالبلاد على مدار أكثر من عقد. مصادر مقربة من الحكومة الانتقالية تؤكد أن مذكرات اعتقال بحق مسؤولين رفيعي المستوى يجري إعدادها، تشمل الأسد وأبرز أعوانه الذين ما زالوا فارين.

كما يجري التنسيق مع محكمة الجنايات الدولية من أجل تقديم ملفات موثقة بجرائم الحرب التي ارتكبها النظام السابق، مما قد يمهد الطريق لمحاكمة الأسد وأركانه أمام العدالة الدولية.

الثورة السورية.. نموذج حي لانتصار ثورات الربيع العربي

بعد سنوات من القمع والدمار، تقف الثورة السورية اليوم كدليل حي على أن إرادة الشعوب أقوى من الطغاة. ورغم محاولات الأسد وحلفائه القضاء على الثورة بالقوة العسكرية، إلا أن سقوطه يؤكد أن الأنظمة الاستبدادية مهما بلغت قوتها، فإنها لا تستطيع الصمود أمام مطالب الشعوب بالحرية والعدالة.

ما يحدث في سوريا الآن هو رسالة لكل شعوب المنطقة التي خاضت ثورات الربيع العربي، تؤكد أن تحقيق أهداف هذه الثورات ليس مستحيلًا، رغم كل المحاولات لقمعها وإجهاضها. وإذا كانت بعض الثورات قد تعرضت لانتكاسات، فإن الثورة السورية تثبت أن النضال الشعبي قادر على فرض التغيير، ولو بعد حين.

لقد راهن الأسد على الزمن، واستخدم كل الأساليب الوحشية للقضاء على المعارضة، لكنه في النهاية سقط، وسيسقط معه كل من دعمه ووقف في وجه إرادة الشعب.

المشهد القادم: بناء سوريا جديدة

مع استمرار الحملات الأمنية لملاحقة مجرمي الحرب، واستكمال عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة، تدخل سوريا مرحلة جديدة عنوانها “العدالة والمحاسبة”. وإذا كان سقوط الأسد هو الخطوة الأولى في طريق طويل، فإن التحدي الأكبر اليوم يكمن في تحقيق العدالة الانتقالية، وضمان عدم تكرار جرائم الماضي، وبناء دولة ديمقراطية حقيقية تضمن حقوق جميع مواطنيها.

الثورة السورية لم تمت تحت القصف بالبراميل المتفجرة، بل انتصرت، وها هي اليوم تكتب فصلها الجديد بيد الشعب، وليس بيد الطغاة.