ابن العسكرية المصرية.. ربيب القيم الأصيلة وحامي عقيدة جيشه..
تلك ألقاب الجنرال الراحل الفريق سعد الدين الشاذلي.. الذي إليه يعود الفضل في انتصار أكتوبر.. فهو من رسم الخطة وأشرف على تنفيذها وكان العقل المدبر لهذا الانتصار.
ولولا تدخلات السادات في تنفيذ تلك الخطة لما احتاجت مصر إلى التوقيع على معاهدة كامب ديفيد في عام 1978 والتي أعلن الشاذلي معارضتها ورفضها وهو ما تسبب في التنكيل به من عسكر كامب ديفيد الذين حاصروه على مدار 34 عاما حتى فاضت روحه في نفس اليوم الذي استطاع فيه الشعب المصري خلع مبارك.
هل وقع الشعب المصري في خديعة السادات ومبارك؟ سؤال طالما تردد على أذهان كثير من المصريين كلما حضر ذكر الفريق الراحل سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب أكتوبر 1973.
هذا السؤال يجعلنا أمام أسئلة أخرى من شأنها أن تجيب على هذا السؤال ومن بينها، ما هي تلك الخديعة؟ ولماذا السادات؟ ومبارك؟ وبماذا خدعوا الشعب المصري؟.
شخصية الشاذلي
يقول الشاذلي في مذكراته: “حياتي كانت مليئة بالمتاعب والمشاق، نتيجة لأني كنت أتمسك برأيي وبالحق، ولكن بالرغم من هذه المشاكل، وصلت إلى أكبر منصب عسكري ممكن أن يطمح إليه إنسان، وهو رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وفي وقت من أصعب الأوقات، وهو حرب أكتوبر، فهذا من فضل الله، لا تخافوا لتقولوا كلمة الحق، قولوا كلمة الحق حتى لو تسبب ذلك في بعض المشاكل، ولكن تأكدوا أن هذه المشاكل مؤقتة، وأن الله سيعوضكم بعد ذلك، وتعويض الله سيكون أكثر إن شاء الله”.
تدلل هذه الكلمات على قوة شخصيته وإرادته التي ساعدته على الوصول إلى أكبر المناصب داخل القوات المسلحة متخطيا العشرات من اللواءات الأقدم منه في ذلك الوقت، وكما صعدت به شخصيته إلى أعلى المناصب كانت هي أيضا السبب في نفيه وسجنه.
عرف الشاذلي بذكائه ودهائه العسكري وقدرته على رسم وتنفيذ الخطط العسكرية على مستوى عال من الكفاءة وبفضل دراسته العسكرية في الولايات المتحدة وروسيا استطاع أن يدمج بين المعسكرين الشرقي والغربي في الدراسات العسكرية.
دوره في حرب أكتوبر
أعد الشاذلي الخطة التي نفذها الجيش المصري في حرب 6 أكتوبر 1973 التي سماها “المآذن العالية” ويظهر من شقي الخطة أنه كان يستهدف عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف بقوة خمس فرق مشاه ثم احتلال جزء من الأرض بعمق يصل إلى 15 كلم شرق القناة، ويبقى تنفيذ الشق الثاني من الخطة حين تتوافر الظروف والأسلحة.
طبقت الخطة بنجاح واستطاع الجيش المصري أن يلحق الجيش الإسرائيلي هزيمة كبيرة في الساعات الأولى من المعركة واستمر الحال حتى تدخل السادات بقرارات أعرب الشاذلي حينها عن رفضه لها.
ففي 12 أكتوبر أمر السادات بتطوير الهجوم على الجيش الإسرائيلي لتخفيف الضغط على القوات السورية، وكان واضحا رفض الشاذلي لهذه القرارات بشكل صارم معللا رفضه بأن خروج أي قوات خارج مظلة الصواريخ يعتبر هدية للطيران الإسرائيلي.
لكن إصرار السادات على تنفيذ قرارته أضر كثيرا بالقوات المسلحة في الحرب ولعل الأسباب وراء ذلك كما يرى خبراء أن السادات كان يريد استعادة الأرض بشكل دبلوماسي وليس من خلال الحرب.
وفي 14 أكتوبر تم تطوير الهجوم ، وهاجمت الفرقة 21 بالإضافة إلى اللواء 11 ميكانيكي واللواء 15 مدرع القوات الإسرائيلية واستطاع الطيران الإسرائيلي تدمير القوة بالكامل وبلغت خسائر مصر بسبب هذا القرار 250 دبابة في ساعات قليلة.
السادات وثغرة الدفرسوار
بعد أن اختل توازن الجبهة بفعل الخسائر التي كبدتها القوات الإسرائيلية للقوات المسلحة المصرية أصبحت القوات الإسرائيلية أكثر من القوات المصرية على الضفة الأخرى من القناة، الأمر الذي تسبب في ثغرة الدفرسوار واستطاع العدو الإسرائيلي حينها النفاذ إلى قناة السويس مرة أخرى بأربعة ألوية مدرعة داخل عمق الأراضي المصرية.
اقترح الشاذلي حينها سحب أربعة ألوية من شرق القناة إلى غربها ليزيد الخناق على القوات الإسرائيلية وتدميرها نهائيا، إلا أن السادات وأحمد إسماعيل وزير الدفاع حينها رفضا هذا الطرح رفضا قاطعا، لتصل الأمور بين الشاذلي من جهة ووزير الدفاع والرئيس السادات في الجهة الأخرى إلى طريق مسدود.
وبعد انتهاء الحرب بأسابيع ورغم وصف مجلة التايم الأمريكية للشاذلي بأنه العقل المدبر للعبور، تم تسريح الشاذلي من الجيش في 13 ديسمبر 1973.
موقفه الرافض لكامب ديفيد
واستمرارا لتهميش الشاذلي وخلال تكريم قادة الجيش في الذكرى الأولى لانتصار أكتوبر تجاهل عسكر كامب ديفيد جميع إنجازات الشاذلي وتجاهل السادات تكريمه وهو ما رآه كثيرون بداية التخلص منه بعد تعيينه سفيرا لمصر في إنجلترا.
وبرغم التهميش فإن السادات كان لا يزال يشعر بالقلق من ناحية الشاذلي وقبل توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد قرر إبعاده من سفارة بريطانيا ونقله سفيرا لمصر في لشبونة.
وما تخوف منه السادات وقع بالفعل فبعد توقيع الاتفاقية أعلن الشاذلي معارضته ورفضه لها وعقد مؤتمرا صحفيا عالميا أعلن فيه ذلك، ليقرر السادات نفيه خارج مصر واختار الشاذلي البقاء في الجزائر ليعيش فيها 14 عاما تمكن خلالها من كتابة مذكراته الشخصية.
وفي منفاه كتب الشاذلي مذكراته عن حرب أكتوبر واتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة برغم النصائح التي قدمها له في غرفة عمليات القوات المسلحة بحرب 6 أكتوبر.
كما اتهم السادات في مذكراته بالتنازل عن نصر أكتوبر والموافقة على سحب القوات المصرية إلى غرب القناة في مفاوضات فض الاشتباك الأولى.
واختتم الشاذلي كتاب مذكراته ببلاغ للنائب العام يطالب فيه بمحاكمة السادات ويتهمه بالإهمال الجسيم وتزييف التاريخ والكذب وإساءة استخدام السلطات وذلك عن ما أسماه بالجرائم التي ارتكبها السادات خلال حرب أكتوبر والقرارات الخاطئة التي أدت إلى ثغرة الدفرسوار واحتلال العدو الإسرائيلي أجزاء كبيرة تم تحريرها ومحاصرة الجيش الثالث لمدة تصل إلى 3 أشهر.
الشاذلي ومبارك
وكما عانى الشاذلي في عهد السادات كانت له معاناة أخرى لا تقل في مراراتها مع المخلوع حسني مبارك، الذي صور للمصريين أنه صاحب انتصار أكتوبر وأن الطلعة الجوية التي نفذها سلاح الجو بقيادته كانت هي السبب في هذا النصر.
واقترن اسم مبارك مع تزوير التاريخ وتزييفه فعلى يديه تم رفع صورة الفريق سعد الدين الشاذلي في غرفة عمليات الحرب ووضع صورته مكانها وتم تعليقها في جميع المواقع العسكرية، ليرسخ في أذهان المصريين أنه صاحب الانتصار.
ولم يتوقف الأمر على التزوير، فمبارك وضع هذا القائد العسكري الفذ في السجن، بحكم صادر من القضاء العسكري، وتناسوا دوره البارز في قيادة الجيش وحرب أكتوبر، وتذكروا فقط أنهم يعملون في خدمة مبارك، الذي رفض العفو عن الشاذلي.
ففي العام 1992 قرر الشاذلي العودة إلى مصر وفور وصوله إلى مطار القاهرة ألقت السلطات القبض عليه وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بتهمة إفشاء أسرار عسكرية بعد نشرمذكراته في إحدى الصحف العربية، وقضى الشاذلي عاما ونصفا في السجن ثم صدر في حقه عفو قانوني خرج بموجبه من السجن، وظل بعيدا عن أي ظهور رسمي.
وقالت شهدان ابنة سعد الدين الشاذلي في حوار لها مع صحيفة المصري اليوم إن مبارك تعامل مع أبيها على أنه خصم ثقيل الوزن وأنه كان يريد أن يزيحه من طريقه وأن يتخلص من أي خصم أو منافس محتمل.
وبعد صراع طويل مع المرض توفى سعد الدين الشاذلي في 10 فبراير 2011 وشيع الآلاف من المصريين جنازته بالتزامن مع إعلان مبارك تنحيه عن السلطة بعد أن نجحت الثورة المصرية في إزاحته.
اضف تعليقا