تنتشر المشروعات الحاملة لأسماء سورية في مناطق متفرقة داخل مصر، بل والأكثر جذبا للاهتمام أيضا، أنها تحتضن الشباب المصري الوافد من خارج القاهرة، بحثا عن العمل.
يحظى السوريون في مصر بتقدير من جانب المواطنين المحليين، كونهم تحولوا من فارين من آلة الحرب إلى أصحاب مشاريع ناجحة، ولم ينتظروا مُنح الأمم المتحدة، ولم يلقوا بأنفسهم في “قوارب الموت” إلى السواحل الأوروبية، واختاروا أن يؤسسوا مشروعات سرعان ما اتسع نطاقها.
الشاب المصري محمد رمضان (29 عاما)، الذي ضاقت به السبل في محافظة الشرقية (شمال شرق)، وقدم إلى القاهرة قبل سنوات، يقول إنه بعدما تعثر عدة مرات في الحصول على فرصة عمل، استقر في محل سوري للمخبوزات، بمنطقة المعادي جنوب القاهرة.
“رمضان” قال للأناضول، إن السوريين من أصحاب المشروعات التجارية، التي تشهد رواجا في مصر، يهتمون من حيث التوظيف في المقام الأول بنظرائهم الهاربين من جحيم الحرب الدائرة بسوريا، ثم المصريين الوافدين من خارج القاهرة.
ويوضح رمضان، أن صاحب المشروع السوري الذي يعمل لديه 10 عمال، معظمهم من المصريين، يتسم “بجدية وصدق وأمانة والالتزام، وحريص على حقوقهم”.
وفي 8 يونيو/ حزيران الجاري، تقدم المحامي المصري سمير صبري، بمذكرة قانونية للنيابة العامة، طالب فيها بالرقابة على ثروات السوريين واستثماراتهم في البلاد.
وطالبت المذكرة كذلك، بإخضاع أموال السوريين لـ “قوانين الضرائب والرقابة وكيفية إعادة الأرباح وتصديرها مرة أخرى”.
ولم تعلق النيابة على المذكرة على الفور، بقبولها أو حفظها.
وتحول عمل السوريين واستثماراتهم، لشن حملة ضدهم من جانب نشطاء، بزعم أنها تمول أنشطة مشبوهة وتدير أموالا لمصلحة جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة “إرهابية” بحكم قانون مصر.
القيادي السابق بالجماعة الإسلامية في مصر نبيل نعيم، قال في تغريدة منسوبة إليه، إن “النشاط الاقتصادي للسوريين في مصر، من أموال التنظيم الدولي للإخوان، ويمثل عمليات غسيل أموال لبعض الجماعات الإرهابية”.
لكن هذه الحملة قابلها تدشين وسم #السوريين_منورين_مصر، الذي حظي بزخم كبير وتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، في رسالة دعم وترحيب بالسوريين على أرض مصر.
ويبلغ عدد السوريين الذين قصدوا مصر حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، نحو 242 ألف شخص، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في حين تقول القاهرة إن عددهم أكثر من ذلك.
وقدر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤخرا، أن الحد الأدنى من مساهمة السوريين في الاقتصاد المصري، وصل إلى 800 مليون دولار على شكل استثمارات.
ورجح التقرير أن “يكون الرقم أعلى من ذلك”، موضحا أن الأعمال السورية في مصر تتراوح بين المصانع الكبيرة والشركات الصغيرة، في مجال الأقمشة والتكنولوجيا والمواد الغذائية، بما فيها المطاعم.
وتتيح المنشآت السورية، كثيرا من فرص العمل للمصريين أنفسهم، إضافة إلى السوريين، كما ساهمت في رفع نسبة الصادرات وخفض الواردات.
وبحسب وزارة الاستثمار، يقدر عدد رجال الأعمال السوريين المتواجدين في مصر بـ 30 ألفا، وساهموا في 2012 بتأسيس 565 شركة، برأسمال قدره 164 مليون دولار، وارتفع العدد إلى 1254 شركة في 2013، برأسمال قدره 201 مليون دولار.
رئيس رابطة تجمّع رجال الأعمال السوريين في مصر (أهلية) خلدون الموقع، قال في تصريحات صحفية، إن رجال الأعمال السوريين المقيمين في مصر، يمتلكون رأسمال يقدر بـ 23 مليار دولار.
وتتركز استثمارات السوريين، في صناعات الغزل والنسيج والصناعات التكاملية، مثل الإسفنج والورق والصناعات البلاستيكية، إضافة إلى الصناعات الدوائية البسيطة، وصناعة الأثاث والمفروشات، والمنتجات الغذائية والنشاط التجاري والخدمي.
ويختلف النشاط الاقتصادي للسوريين، بحسب ظروفهم المادية، ويتوزع بين أصحاب رؤوس الأموال والعمالة التي تضم مصريين وسوريين.
رجل الأعمال المصري محمد هاشم، يرى في حديثه للأناضول، أن السوريين “حموا المستهلك المصري من الطبقة المتوسطة، من جشع الأسعار المبالغ فيها”.
ويضيف هاشم، أن السوريين ساهموا بدور إيجابي في خفض أسعار المواد الغذائية، الأكثر استهلاكا بالنسبة إلى المصريين، كما تتميز منتجاتهم بالجودة، ما يدفع المصريين إلى فتح مشروعات بأسماء سورية، لثقة المستهلكين بها.
ويرى هاشم أن “المشاريع السورية ساهمت في تقليل معدل البطالة، كما أن السوريين أحيوا صناعات كادت تموت بمصر في مجالي الملابس والأغذية مثلا، كما أنهم يدفعون الضرائب دون التهرب منها”.
بينما فواز، صاحب مطعم سوري بالقاهرة، بدت عليه مظاهر الثقة بالنفس، مصحوبة بنوع من الاستغراب أثناء سماعه تقديم مذكرة إلى النيابة العامة، للمطالبة بوضع الاستثمارات السورية تحت الرقابة القانونية.
يؤكد فواز للأناضول، أن “مصر صاحبة فضل كبير على السوريين، الذين قدموا إلى هنا فرارا من جحيم الحرب، ووفرت لنا الإقامة، ويسرت لنا التحول إلى أصحاب مشروعات مفيدة للمجتمع المصري، ومربحة لنا”.
واستهجن فواز بشدة محاولات البعض الزج بالسوريين، البعيدين عن الجانب السياسي المحلي تماما، في عمليات تورط بتمويل أنشطة إرهابية أو جماعات إرهابية.
اضف تعليقا