سلطت صحيفة “لوريان لوجور” الناطقة بالفرنسية الضوء على الخيارات التي تدرسها عدة دول لإخراج لبنان من أزمته الحالية ومن بينها إسناد المناصب الرئيسية للجيش.

وقالت الصحيفة: لا أحد اليوم لديه رؤية واضحة للاتجاه الذي سيسلكه لبنان، لكن من الواضح للعديد من الجهات الفاعلة أن الدولة لا يمكنها الاستمرار على هذا النحو دون إعادة التفكير في نموذجها السياسي بالكامل. 

وأضافت “خلال زيارته لبيروت في أعقاب الانفجار المزدوج في المرفأ الذي وقع يوم 4 أغسطس/آب 2020، أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنفسه إلى الحاجة إلى (عقد سياسي) جديد”.

وتابعت “هذا يعني معالجة مواضيع حساسة للغاية مثل التكافؤ بين الإسلام والمسيحية، وسلاح حزب الله، أو حتى “التوافقية”، في ظل هذا النظام المستحيل للحكم حيث الجميع في السلطة وفي نفس الوقت يدعي أنه من المعارضة، أو بعبارة أخرى، حان الوقت لطي صفحة الطائف رسميًا، والذي هو أمر مستحيل التنفيذ منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005”.

وتساءلت لكن كيف يحدث ذلك؟، مشيرة إلى أنه يمكن للانتخابات التشريعية أن تلعب دوراً في هذا الصدد، بشرط أن تُجدد القوى الموجودة جزئياً، لكن لا يُنظر إلى هذا الخيار على أنه كافٍ، سواء من قبل الجهات الفاعلة الداخلية أو الخارجية. إذ يؤكد دبلوماسي غربي بأن “الانتخابات لن تؤدي إلى تغيير كبير”.

ونوهت “لوريان لو جور” بأنه للخروج من المأزق الحالي، كان البطريرك الماروني بشارة الراعي من القلائل الذين طرحوا اقتراحًا على الطاولة مع فكرة عقد مؤتمر دولي، وهو اقتراح يحظى بموافقة عدة دول عربية، ولا سيما الأنظمة البترودولارية في الخليج، التي تعتبر لبنان تحت سيطرة حزب الله بالكامل.

وقال دبلوماسي عربي طلب عدم الكشف عن هويته “القضية اللبنانية تبقى مهمة حتى على الرغم من أنها لا تعتبر أولوية من قبل العديد من البلدان”.

وقبل التوصل إلى تسوية نهائية، يُقال إن العديد من الجهات الفاعلة الدولية تفكر في تحقيق الاستقرار من خلال تشجيع تنصيب جنود في المناصب الحكومية الرئيسية، كما علمت “لوريان لوجور” من عدة مصادر.

وأكدت أن الجيش يتمتع بصورة إيجابية إلى حد ما بين السكان وبين السفارات حيث يُنظر إليه على أنه آخر مؤسسة التي من خلالها يمكن تجنب الانهيار الكامل للبلاد، لكن هذه المؤسسة تعاني من صعوبات مالية كبيرة ونزيف داخل قوتها العاملة، وتعيش بشكل أساسي بفضل المساعدات الدولية التي تتلقاها.

وأوضحت بالنسبة لمن يفكرون في هذا الخيار، فإن الفكرة هي إيجاد حل وسط ينتج عنه انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيساً للجمهورية، ومدير الأمن العام العماد عباس إبراهيم رئيساً لمجلس النواب.

هذا الخيار يتعلق بإيجاد شخصية سنية لشغل منصب رئاسة الوزراء، مثل مدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان أو أمين عام المجلس الأعلى للدفاع اللواء محمود أسمر، كما تقول الصحيفة.

ولفتت إلى أن هذا لخيار يذكرنا من نواح كثيرة بتسوية عام 1958، التي قادت قائد الجيش فؤاد شهاب إلى رئاسة الجمهورية، عندما تضرر لبنان بشدة من الأزمات الإقليمية”.

كما نقلت عن سياسي عربي طلب عدم ذكر اسمه “ما زلنا في مرحلة الاستطلاع فقط، لكن عدة دول بدأت تعتقد أن هذه هي أفضل طريقة لإنجاز الأمور”، موضحا أن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، مع انتهاء ولاية ميشال عون في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، يسرّع هذا لخيار.

ورأت أنه يمكن لجوزيف عون أن يعول على دعم الولايات المتحدة، حيث زارها مؤخرًا، والتقى بالعديد من المسؤولين الأمريكيين بالإضافة إلى أعضاء في الكونجرس، كما يتمتع عباس إبراهيم وعماد عثمان أيضًا بصورة إيجابية إلى حد ما لدى الغربيين، على الرغم من أن الأول قد يعاني إذا تورطوا في التحقيق في انفجار ميناء بيروت. 

لكن هذا السيناريو يتطلب تسوية داخلية، والتي تبدو صعبة تجاه رئاسة مجلس النواب، وهو المنصب الذي يشغله نبيه بري لمدة ثلاثين عاما، أما بالنسبة لرئاسة الجمهورية، لا يبدو أن أي حزب قد استخدم حق النقض ضد جوزيف عون.

 

تسوية على الطراز اللبناني 

وذكرت الصحيفة أن هناك فرضية أخرى قيد المناقشة، هذه المرة على الساحة المحلية، وهي تسوية جديدة على الطراز اللبناني، على غرار لائحة 2016، وتضمن اتفاق على الرئيس وتشكيل حكومة وانتخابات تشريعية وعدد من التعيينات في مناصب رئيسية بالدولة، لا سيما قيادة الجيش، ورئيس مجلس القضاء الأعلى ومحافظ مصرف لبنان.

وأكدت أن حزب الله يدفع باتجاه هذا النوع من الحل الذي لا يغير الوضع الراهن الذي يعتبره لصالحه، فهذه الجماعة الموالية لإيران تدرس منذ سنوات إمكانية تغيير النظام، والذي من شأنه أن ينطوي على تمثيل أقوى للشيعة في الدولة.

لكنها في الوقت نفسه ترى أن هذا الحوار لا يمكن أن يتم إلا إذا كان السياق الإقليمي والدولي ملائمًا، وهذا ليس هو الحال اليوم، في غضون ذلك، تستفيد من نظام يسمح لها، منذ اتفاقيات الدوحة، بأن يكون لها رأيها في كل ما يحدث بلبنان، بينما تشارك مسؤولية السلطة مع الجهات الفاعلة الأخرى. 

وتشدد “لوريان لوجور” على أنه لا يبدو أن هذه الصيغة التي تدعو إلى الوضع الراهن مقنعة على الصعيد الدولي، حيث تعتبر غير متوافقة مع الإصلاحات المطلوبة.

كذلك الجهات الفاعلة الأخرى لا ترى أنه من السهل الخروج من المأزق، فميشال عون لم يخف أبدًا عداءه لاتفاق الطائف، لكنه في الوقت نفسه ليس مستعدًا للتقليل من الامتيازات المسيحية والتشكيك في مبدأ التكافؤ، كما أن القوات اللبنانية لا تؤيده، لكن من جهتها تعتبر الطائف نموذجاً جيداً بشرط احترامه.

ولفتت إلى أنه تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، من جهتهما، يتعاملان بقلق مع أي تغيير في النظام من شأنه، حسب رأيهم، أن يفتح صندوق باندورا أمام الحزب الشيعي، فالكل متفق على ضرورة إيجاد حل لقضية سلاح حزب الله. 

لكن بأي ثمن؟ هل يجب أن تُعرض المناصب الرئيسية في الدولة على الشيعة مقابل السلاح؟ هل ينبغي دمج الميليشيا في قوى مؤسسية كما هو الحال في العراق؟ لا توجد إجابة في هذا الوقت، وذلك لسبب وجيه: فالموضوع يعتمد أيضًا على عوامل تتجاوز حدود لبنان.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا