بعد سنوات من الحصار الرباعي الجائر على دولة قطر وما تبع ذلك من إجراءات تعسفية بحق الدوحة، شهد مسار الأحداث اليوم تحولاً دراماتيكياً، حيث انعقدت في مدينة العلا السعودية قمة مجلس التعاون الخليجي بحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي استقبله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحرارة في المطار تدشيناً للمصالحة بين البلدين، وطوياً لصفحة الخلاف بين الجانبين حسب ما أعلنت وسائل إعلام وصحف عربية وأجنبية.

قمة العلا

وفي تطور لافت، اختتمت الجلسة الأولى من أعمال القمة الخليجية الـ41، بمدينة العُلا شمال غربي السعودية، حيث أعلن أمين عام مجلس التعاون الخليجي التوقيع على البيان الختامي للـ قمة العلا واختتام الجلسة الأولي، وسط مؤشرات على انفراجٍ للأزمة الخليجية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف.

وافتتح ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” القمة، وأشاد بالدور الكويتي لرأب الصدع بين دول المنطقة، مؤكدا دور القمة في تعزيز أواصر الأخوة.

وأكد “بن سلمان” ضرورة تعزيز التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي.

واعتبر ولي العهد السعودي أن “الأنشطة الإيرانية تهدف لزعزعة الاستقرار بالمنطقة”، وأضاف: “نواجه تحديات السلوك الإيراني التخريبي”.

من جانبه؛ قال أمير الكويت الشيخ “نواف الأحمد الجابر الصباح”، إن المشاركين اتفقوا على توقيع بيان العلا في هذه القمة.

وأضاف: “نهنئ الجميع بما تحقق من إنجاز تاريخي في قمة العلا. نسعى لدعم العمل الخليجي والعربي المشترك”، مشيرا إلى أن “إعلان اليوم سيسمى اتفاق التضامن”.

وترأس أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وفد بلاده في هذه القمة، بحضور أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد، فيما غاب الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث ناب عنه ولي العهد محمد بن سلمان.

في السياق ذاته، غاب سلطان عُمان هيثم بن طارق، الذي مثله فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، الذي شارك بديلاً عنه ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة رئيس مجلس الوزراء.

كما غاب ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي ينظر إليه على أنه “الحاكم الفعلي لدولة الإمارات”، حيث مثل نائب الرئيس الإماراتي رئيس الوزراء محمد بن راشد آل مكتوم بلاده في قمة الخليج.

وحضر القمة عدد من المسؤولين البارزين غير الخليجيين، منهم وزير الخارجية المصري “سامح شكري” و”جاريد كوشنر”، صهر وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.

ومساء الإثنين، أعلنت الكويت فتح الحدود البرية والبحرية والأجواء بين السعودية وقطر، فيما قال ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” إن القمة الخليجية المرتقبة بالمملكة “ستكون موحدة للصف وستلم الشمل”

تخلي عن الشروط

في سياق متصل، كشفت صحيفة واشنطن بوست أن السعودية وحلفاءها تخلوا عن شروطهم الـ13 كافة، لإنهاء الحصار عن قطر، بينها  إغلاق قناة الجزيرة وتقليص التعاون مع إيران.

ولفت مصدر مطلع على المفاوضات إلى أن السعودية والإمارات اختلفتا حول ما إذا كان ينبغي إنهاء مقاطعة قطر، مع مقاومة الإمارات لهذه الخطوة. لكن المملكة العربية السعودية “أرادت إنهاء الحصار ولم ترغب في إبقاء هذه القضية على صفحتها مع تولي إدارة بايدن السلطة”.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي كبير قوله، إن السعودية والإمارات ومصر والبحرين ستوقع اتفاقا ينهي خلافهما مع قطر في القمة السعودية. وقال المسؤول إن جاريد كوشنر، كبير مستشاري البيت الأبيض وصهر ترامب، ساعد في التوسط في الصفقة.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت الاتفاقية ستنهي التوترات بالكامل، حيث اتهمت قطر في الأسابيع القليلة الماضية البحرين بانتهاك مجالها الجوي بطائرات مقاتلة. ووصفت البحرين في رسالة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هذا الادعاء بأنه “لا أساس له، ومؤسف ولا علاقة له بالحقائق”، وفقًا لبيان صادر عن مكتب الاتصالات الحكومي البحريني في 26 ديسمبر.

في المقابل، وافقت قطر على تجميد الدعاوى القضائية التي رفعتها الدوحة ضد دول الحصار، سواء الدعاوى المرفوعة في منظمة التجارة العالمية، وحتى في مؤسسات أخرى.

وفي يوليو/تموز 2020، قالت الخطوط الجوية القطرية، على موقعها الإلكتروني، إنها رفعت أربعة طلبات أمام التحكيم الاستثماري الدولي تطلب فيها تعويضاً قدره 5 مليارات دولار من الدول الأربع، بسبب إجراءات المقاطعة التي تفرضها هذه الدول على الدوحة منذ 2017.

في السياق ذاته، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤول رفيع في إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الاتفاق الذي ستشهده محافظة العلا السعودية لا يعني أن قطر والرباعي العربي سيكونان أفضل أصدقاء، لكنه يسمح بأن يعملا معاً، حيث ما زال من المبكر الحكم على هذه المصالحة، وما هي شروطها، وأطرافها.

ولكن المؤشرات الأولية توحي بأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بالأساس بين الدوحة والرياض ليس مُرضياً للقاهرة وأبوظبي، فكلتاهما كانت تضع قطع قطر علاقاتها مع جماعات الإسلام السياسي وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين شرطاً أساسياً رفضته قطر، لأنه يمثل تعدياً على سيادتها، مما يفتح الباب أمام تغييرات قد تحدث في العلاقات بين مصر والإمارات من جانب والسعودية من جانب آخر، فقد يكون ما حدث هو مصالحة سعودية قطرية مع تهدئة بين الدوحة والدول الثلاث مصر والإمارات والبحرين بحسب بعض المحللين.

تغييرات متوقعة

وتعددت آراء المحللين حول السيناريوهات المتوقعة في المنطقة العربية بعد نجاح المصالحة الخليجية، حيث يرى بعض المراقبين أن المصالحة الخليجية ربما تؤدي إلى تقارب أكبر بين الدوحة والرياض على المدى القصير وهو ما قد ينتج عنه لعب قطر دور الوساطة بين السعودية وتركيا لتقريب وجهات النظر بين البلدين، وهو ما قد يمثل تغييراً ملموساً في المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط.

ووفق مراقبين، فإن التغيير الآخر المتوقع أن ينتج عن المصالحة، وقد لا يستغرق وقتاً طويلاً، يتمثل في دور الولايات المتحدة في المنطقة وهو الدور الذي شهد تراجعاً كبيراً طوال السنوات الأربع الماضية التي تواجد فيها ترامب في البيت الأبيض ومهد المجال لتوسيع روسيا نفوذها في المنطقة سواء في سوريا أو ليبيا.

ومن المتوقع أيضاً أن تتخذ إدارة بايدن نهجاً مختلفاً وتعود للاشتراك أكثر في قضايا المنطقة وأبرزها بالطبع التهديد الذي تمثله إيران لدول الخليج وللمنطقة بشكل عام، ووجود موقف خليجي موحد يعتبر أمراً حيوياً في هذه النقطة بالتحديد، بحسب محللين.

ويرى محللون غربيون أن هناك عوامل أثرت في نجاح الوساطة الكويتية والأمريكية، أولها وجود إدارة أمريكية جديدة تستعد لدخول البيت الأبيض خلال أسبوعين. وأرادت إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب أن تكثف من جهود الوساطة الآن، رغم أن الكويت لعبت دور الوساطة الأساسي، والجهود الأمريكية قادها جاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره.

والعامل الثاني هو إيران وارتفاع وتيرة التوتر بينها وبين الولايات المتحدة في أعقاب اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو ما زاد من مخاوف إقدام طهران على توجيه ضربات عسكرية تزعزع استقرار منطقة الخليج، خصوصاً أن رفض التصرفات الإيرانية المزعزعة للخليج هو أمر مشترك بين جميع دول مجلس التعاون الخليجي.

ومع اقتراب تولي إدارة بايدن المسؤولية في البيت الأبيض والحديث عن العودة للاتفاق النووي الإيراني، يصبح مجلس التعاون الخليجي الموحد والمتصالح بكامل أعضائه في موقف أكثر قوة كي يضمن عدم تكرار تجربة الاتفاق النووي الموقع 2015 مع طهران دون إدراج برنامج إيران الصاروخي وتدخلها في شؤون الدول العربية من خلال ميليشياتها في تلك الدول.

اقرأ أيضاً : في ظل غياب الزعماء الآخرين.. هل تقتصر المصالحة الخليجية على قطر والسعودية؟