أي عيل صغير في الإقليم يعلم جيدا أن المنافس التقليدي لأنظمة الحكم العربية في أغلب الأقطار هم الإخوان ..

 

أي عيل صغير في الإقليم يعلم أن مخاوف الأنظمة العربية، الخليجية على وجه التحديد، من الربيع العربي كان عنوانها حكم الإخوان، ونجاح التجربة، وتصديرها لدول أكثر محافظة من مصر، وأكثر استعدادا للحكم ديني …

 

أي عيل صغير في الإقليم يعلم يقينا أن هذه الأنظمة لم ولن ولا تثق بالإخوان ولَم ولن تثق بإمكانية التفاهم بشأن حكم الإخوان لمصر واحتمالية نجاحهم .. الإخوان أنفسهم كانوا يعلمون ذلك جيدا وصرح مرشدهم مع وائل الإبراشي بأن الجماعة لن تطرح مرشحا للرئاسة حتى لا تدفع الثورة المصرية فاتورة تصدر الإخوان للحكم إقليميا ودوليا …

 

ليس المهم الآن أنهم غيروا كلامهم، الأدهى والأمر أنهم فعلوا ذلك بالتنسيق مع نفس الدول التي يعلم أي عيل صغير في الإقليم أنها تناصبهم العداء، وأن كل تعهدات الدنيا لن تكفي هذه الدول لتغيير موقفها الثابت من الإخوان كما أن أنظمة الخليج ليست بالسذاجة التي تدفعهم لتصديق وعد يقطعه خيرت الشاطر أو أي من قيادات الجماعة!!

 

خالد العطية وزير خارجية قطر يقول – بعد ٤ سنوات من الانقلاب – أن الإخوان كانوا على استعداد للتفاهم، والتفاوض، وأن وفدا مكونا منه ومن مسؤول إماراتي، هو عبد الله بن زايد، وآخر أمريكي زار الشاطر في محبسه وسمع منه هذا الكلام، الكلام قديم، وسبق أن نشرته نيويورك تايمز بعد ٣ أيام من الإنقلاب العسكري، وترجم خلاصته وأعاد نشره زميلنا الصحفي والباحث عبد الرحمن عياش على موقع نُون بوست، الجديد ليس هو جنوح الإخوان للسلم ونزوع السيسي وعساكره وحلفائه وإسرائيله وسعوديته وإماراته للعنف الوحشي، الجديد هو ما تعمد “العطية” قوله بوضوح من أن الشاطر التفت إلى بن زايد – دون الحاضرين جميعا – وعاتبه على الخيانة والطعن من الخلف!!

 

الثورات لا تنتصر إلا بالقوة، والانقلابات لا تسقط إلا بالقوة، ثمة انقلاب يسقط بقوة أجهزة الدولة كما حدث في تركيا ٢٠١٦، الذي أسقطته الشرطة والمخابرات التابعتين لأردوغان، وثمة انقلاب يسقط بقوة الجماهير التي تؤمن بك وتصدقك – سواد كنت مستحقا لذلك أم لا – وتنزل بالملايين وتواجه القتل والاعتقالات وتصمد للنهاية حتى تُعيدك إلى قصرك في أقل من ٤٨ ساعة كما حدث مع تشافيز في فنزويلا ٢٠٠٢، وهو الانقلاب التي خططت له ودعمته الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفت فيه مع قيادات الجيش ورجال الأعمال ونوافذها الإعلامية ومع ذلك فشل فشلا ذريعا، ذلك لأن تشافيز – أيا كان موقفنا منه – راهن في سياساته وقراراته على شعبه وكسب، لم يسترض الأمريكان ولَم يسترض رجال الأعمال ولَم يسترض الإعلام الفاسد، واتخذ قرارات اقتصادية – كانت سببا في الانقلاب عليه – لصالح المواطن، فصدقه هذا الأخير ونزل ليموت من أجله ..

 

في مصر، لم يكن الرهان على المصريين اختيارا أخلاقيا وثوريا ودينيا فحسب، كان اختيارا سياسيا وحيدا، لا يملك الإخوان غيره، ذلك لأن أحدا من أجهزة دولة العساكر والقوى الإقليمية فضلا عن الدولية لن يثق في نظام يستهدف السيطرة والتمكين والخلافة وأستاذية العالم ومرور التنين المجنح من ثقب الإبرة، ورغم ذلك اختار الشاطر وإخوانه الرهان على الجيش في الداخل، والإمارات في الإقليم، وحين سقطوا كانوا يخبرون قواعدهم على المنصات بأن رهانهم على دمائهم الزكية في إسقاط الانقلاب في الوقت نفسه الذي يخبرون فيه حلفائهم الذين طعنوهم من الخلف بأنهم على استعداد للتفاوض!! .. التفاوض على من؟

 

اللهم ارحم شهداء الإخوان فإنهم لا يعلمون …

 

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة“.