ترجمة العدسة عن صحيفة أريون ايكس ايكس إي الفرنسية

ساء الوضع في اليمن خلال الأشهر الأولى من سنة 2020 أكثر مما كان عليه، وذلك بعيداً عن مرأى أعين العالم المنشغل بوباء كورونا المستجد، حيث ضاعف الهجوم العسكري الحوثي، وإعلان الاستقلال عن الجنوب، بالإضافة إلى الفيضانات الكارثية من المعاناة المتفاقمة للسكان، ولم تتمكن الجهات الفاعلة من إيجاد مخرج.

في اليمن، شهدنا في الأشهر الأخيرة تفاقم المشاكل التي كانت متواجدة مسبقا: تدهور الوضع الإنساني، الحد من مشاركة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، انهيار اتفاق الرياض، وتنفيذ اتفاقية الحُديدة.

إلى هذه القائمة الرهيبة، يجب أن نضيف هجوم الحوثيين الكبير في الشمال الشرقي، والفيضانات المدمرة، والانتشار السريع لوباء كوفيد-19، وفي الآونة الأخيرة، إعلان “الحكم الذاتي” للمجلس الانتقالي الجنوبي. في ضوء التجارب السابقة، سيكون من عدم الحكمة القول إن الأمور لا يمكن أن تسوء أكثر، في الوقت الذي تحتفل فيه البلاد، في 22 مايو، بالذكرى الثلاثين لوحدتها.

كيف تخرج المملكة العربية السعودية من المستنقع؟

في نهاية سنة 2019، بدت المملكة العربية السعودية مصممة على تخليص نفسها من المستنقع اليمني بعد ما يقرب من خمس سنوات من المشاركة العسكرية الفاشلة بشكل متزايد.

تراجعت الغارات الجوية بشكل كبير، وكان اتفاق الرياض بين انفصاليين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف بها دوليًا، يهدف إلى استعادة التعاون داخل التحالف المناهض للحوثيين.

كان الناس يأملون أن يؤدي انخفاض العمليات العسكرية إلى اتفاق مع الحوثيين، وقد بدأت المفاوضات – التي استمرت لأشهر- بعد الهجمات الصاروخية ضد منشآت إنتاج ومعالجة النفط الرئيسية في المملكة العربية السعودية في سبتمبر 2019.

ورغم أن الحوثيين ادعوا القيام بذلك، فإن الدليل كان يميل بالأحرى نحو إيران أو أقرب حلفائها، لكن هذا الحدث المؤلم للمملكة العربية السعودية دفع المملكة لمحاولة جادة لإنهاء تورطها في حرب اليمن.

في أوائل عام 2020، تمت إعادة النظر في هذه الخطة بعد هجوم عسكري للحوثيين في شمال شرق البلاد، وقد استولوا أولاً على مديرية نهم، الواقعة على بعد 60 كم فقط شرق صنعاء، والتي ظلت مستقرة لمدة أربع سنوات، ثم سيطروا على معظم محافظة الجوف، وكادوا يقطعون سبيل الوصول للطريق الرئيسي الذين يصل اليمن بالمملكة العربية السعودية، ويهددون حقول النفط والغاز في مأرب.

تم تطويق المدينة كلها بسكانها من مختلف الفئات، وكادوا يشكلون جزيرة معزولة في أراضي الحوثيين، وهو ما واجهه السعوديون بتكثيف الضربات الجوية واستمرار القتال البري.

ولكن مع ذلك، أظهر السعوديون في التاسع من أبريل تصميمهم على إنهاء هذا الموضوع بإعلان وقف لإطلاق النار من جانب واحد لمدة أسبوعين، مع السعي إلى تمديده طوال شهر رمضان لأسباب دينية.

رد الحوثيون باقتراح خطة طموحة لاتفاق سلام شامل بينهم وبين السعودية، وصيغتها الحالية تهمش حكومة هادي، وهذا يعني الاعتراف بأن الصراع هو قائم بين طرفين: الحوثيون والمملكة العربية السعودية.

في غضون ذلك، استمر القتال البري والغارات الجوية، وبحلول نهاية الأسبوع الخامس من “وقف إطلاق النار”، أي في منتصف شهر مايو، كانت قد حدثت 145 مداهمة و577 غارة جوية.

باختصار، حقق الحوثيون تقدمًا عسكريًا كبيرًا، وأنهوا أربع سنوات من الركود على الجبهة الشمالية، وتركوا مبادرات السلام السعودية دون إجابة.

مشاكل جديدة في الجنوب

خلال أوائل عام 2020، كانت التوقعات في الجنوب قاتمة فيما يخص اتفاق الرياض الذي تم توقيعه في نوفمبر الماضي للتوفيق بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي، بعد أن قام الأول بإخراج الأخيرة قسراً من عدن في أغسطس 2019.

تزامن ذلك مع الانسحاب الرسمي لدولة الإمارات العربية المتحدة بكل معداتها، على الرغم من أن الإماراتيين تركوا وراءهم ميليشيات مختلفة متحالفة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، والتي دربوها وجهزوها عسكرياً مع تمويلها بكل ما تحتاج.

دعمت دولة الإمارات العربية المتحدة رسمياً اتفاق الرياض، حتى أن ولي العهد محمد بن زايد حضر توقيعها، ومع ذلك، فإن موقفها الحالي غير واضح.

لقد قدمت الإمارات الدعم الجوي للمجلس الانتقالي الجنوبي في بعض الاشتباكات في البلاد منذ صيف 2019، وقد تم الإعلان عن “استقلالية” المجلس الانتقالي الجنوبي في 25 أبريل في أبو ظبي من قبل زعيمها عيدروس الزبيدي.

وللحفاظ على الغموض، كان الرد الرسمي الوحيد من دولة الإمارات على هذا الإعلان حتى الآن هو تغريدة على موقع تويتر من وزير الدولة أنور قرقاش، حيث كتب أنه يجب تنفيذ اتفاق الرياض -دون إدانة صريحة للمجلس الانتقالي الجنوبي- وأنه لا ينبغي لأي طرف اتخاذ إجراءات من جانب واحد.

وبحسب نص اتفاق الرياض، فإن الائتلاف مسؤول عن الإشراف على تنفيذه وتولي مسؤولية الوضع في الجنوب.

وبعد انسحاب الإمارات، أصبح السعوديون وحدهم تحت السيطرة، ولم يتمكنوا من تنفيذ بنود إعادة الانتشار العسكري التي تهدف إلى تقليل الوجود العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن ولا من إرسال القوات الحكومية هناك.

لقد تفاقمت التوترات بين الجانبين طوال هذه العملية، واندلعت الحرب بين المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الحكومية في أبين في الحادي عشر مايو.

الوقف المؤقت للقتال خلال أيام العيد لا يزال ساري المفعول، حيث يشارك زعيم لجنة العلم والتكنولوجيا عيدروس الزبيدي في مفاوضات في الرياض بدعوة من السلطات السعودية المعنية بهذه المشكلة الإضافية لاستراتيجية خروجهم من اليمن.

من الجدير بالذكر أنه لدى المجلس الانتقالي الجنوبي العديد من الأسباب الأخرى لاتخاذ هذه الخطوة: الغضب الشعبي الذي يرتفع في عدن ضد نقص الكهرباء والمياه، وتفاقم الوضع المالي الذي يمنعه حتى أن يدفع لمليشياته، وإلى غالبية موظفي الدولة، مع انتشار البطالة، وتفاقم الأزمة الإنسانية بسبب نقص تمويل المساعدات الدولية، ظهور كوفيد-19، وفوق كل ذلك، الفيضانات المدمرة التي اجتاحت عدن في 21 أبريل.

تشكل عدن الآن موقع احتجاجات شبه يومية ضد المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة هادي، ويتساءل المرء إذا كان قرار المجلس الانتقالي الجنوبي حكيماً، لأنه جعل الوضع أسوأ وليس أفضل.

كشف إعلان الحكم الذاتي عن حدود سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي من الناحية الجغرافية: جميع المحافظات الشرقية وكذلك جزيرة سقطرى انفصلت عنه؛ فقط المحافظات الأقرب إلى عدن، معاقله الرئيسية، هي من دعمته.

خلال أيام قليلة، اندلع القتال بنتيجة غير مؤكدة في سقطرى، إحدى المناطق التي اشتبك فيها المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة في السنوات الثلاث الماضية.

وعلى الصعيد الدولي، أدانت الدول العربية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول العالم الرئيسية الإعلان ]الحكم الذاتي[، وكلهم أشاروا إلى التأثير سلبي على مشاكل البلاد العديدة
.

للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)