إبراهيم سمعان

هل ارتكب عملية القتل المزعوم للصحافي السعودي جمال خاشقجي عناصر لا يمكن السيطرة عليها؟ هذا ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاثنين عن الكاتب في صحيفة “الواشنطن بوست” الذي اختفى منذ أسبوعين جمال خاشقجي.

خاشقجي، صاحب الـ 60 عاما، لم يغادر القنصلية السعودية في اسطنبول منذ أن دخلها في 2 أكتوبر، بينما تردد الرياض، التي يعتقد أنها وراء اختفائه، أن اتهامها مزاعم “لا أساس لها”، لكنها لم تتمكن بعد من إثبات أن خاشقجي غادر القنصلية، الأمر الذي يخاطر بتقويض التحالف الأمريكي السعودي.

 

ولإظهار الأهمية التي يوليها لهذه القضية، تقول صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، أرسل ترامب إلى الرياض وزيرة خارجيته، مايك بومبيو، الذي التقى الثلاثاء الملك سلمان وابنه ولي العهد الأمير محمد.

 

وقبل تغير ملموس في لهجته تجاه حليفه الكبير في الشرق الأوسط، قال الرئيس السبت إن التورط السعودي في اختفاء خاشقجي، الذي عاش لمدة عام في الولايات المتحدة، ممكن، وهدد بـ”عقاب قاس”، لكن التصريحات أثارت غضب الرياض التي أكدت من خلال وزير خارجيتها أن المملكة سترد في حال تعرضها لعقوبات أمريكية.

 

غير أن ترامب أرسل فيما بعد إشارات متناقضة، مكررا معارضته تعليق صفقة أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار مع الرياض، حتى لا يضر الاقتصاد الأمريكي، كما أن وزير الخزانة ستيفن منوشين ما زال يخطط للمشاركة في “دافوس الصحراء”، وهو مؤتمر يهدف إلى جذب المستثمرين الأجانب إلى الرياض سيعقد أواخر أكتوبر، وقبل كل شيء فتح ترامب الباب أما إيجاد مخرج للسعودية.

 

وقال الرئيس الأمريكي عقب مكالمة هاتفية بملك السعودية يوم الاثنين “نفى الملك بشدة معرفته بأي شيء ,لا أريد التكهن ولكن يبدو لي أنه عناصر لا يمكن السيطرة عليها هي من قتلت خاشقجي من يدري؟”.

 

نظرية ترامب، التي تتناقض مع رواية السلطات التركية، تم تفسيرها على أنها مخرج لإنقاذ العائلة المالكة، “إنه أمر غير عادي على الإطلاق [السعوديون] تمكنوا من تجنيد الرئيس الأمريكي كمسؤول علاقات عامة”، كما يوضح السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي.

 

ووفقا لشادي حميد، الباحث في مركز معهد بروكينجز لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن: “لا يريد ترامب مواجهة السعودية مباشرة”، والسؤال المطروح اليوم هو “كم سيستمر الجمهوريون المنتخبون في ممارسة الضغط على الرئيس لاتخاذ العقوبات؟”

 

بسبب جرائمها في حرب اليمن وانتهاكات حقوق الإنسان يدعو أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين كما الجمهوريين إلى اتخاذ تدابير عقابية تجاه السعودية، مثل وقف صفقات الأسلحة والمساعدات العسكرية الأمريكية للتحالف السعودي في اليمن.

 

وقال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو من الضروري “إعادة النظر بشكل كامل” في العلاقات مع السعودية، فيما اتهم زميله ليندسي جراهام، المقرب من ترامب، محمد بن سلمان بإعطاء أوامره لقتل خاشقجي.

 

وقال ماركو روبيو لفوكس نيوز “لا يحدث شيء في السعودية دون إبلاغ المخابرات الأمريكية” ووصف ولي العهد بأنه “شخص سام” لا يمكنه أن يصبح قائدا على المسرح العالمي.

 

التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية، منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض وكذلك مع ولي العهد، يلقى اهتماما من قبل جاريد كوشنر صهر ومستشار رئيس الولايات المتحدة.

 

زيارة ترامب للسعودية في مايو 2017، في أولى رحلاته إلى الخارج، وتوقيع اتفاقيات تزيد قيمتها عن 380 مليار دولار، أدت إلى نمو العلاقات بين البلدين، بعد تفاقم حدة الخلافات في ظل إدارة رئاسة أوباما، التي اتهمت الرياض بالتسبب في تفاقم الصراعات الإقليمية.

 

وتبرز قضية خاشقجي توازن القوى بين البلدين، ويقول شادي حميد “السعوديون بحاجة إلى الأمريكيين أكثر من حاجة الأمريكيين إليهم”، تهديد السعودية لن يكون مثل السبعينات، لم يعد للرياض نفس التأثير على سوق النفط والولايات المتحدة أقل اعتمادا عليه منذ عشر سنوات.

 

على العكس من ذلك، لا تزال السعودية تعتمد على المظلة الأمريكية، ويبين ريتشارد ليبارون سفير الولايات المتحدة السابق في الكويت، “السعوديون قد يلحقون الضرر بالولايات في الاقتصاد والطاقة وتقاسم المعلومات، لكن هذه أسلحة قصيرة المدى، وهذا سيكلفها أيضا، إنهم بحاجة إلى استثمار أمريكي لتحديث اقتصادهم”.

 

وعندما تساءلت الصحيفة هل يمكن أن يكون لهذه الصفقة آثار طويلة الأجل على علاقات واشنطن والرياض؟ أجاب السفير السابق: “كان هناك دائما في نظامنا عدم يقين حقيقي حول السلوك الذي ننتهجه مع السعودية، ومقتل خاشقجي يعزز رأي من كان يقول إنها ليست حليفًا موثوقًا به”.