تعود المزاعم الإسرائيلية بشأن شبكة أنفاق حركة حماس في قطاع غزة إلى الواجهة مرة أخرى، حيث نشرت قناة “كان” العبرية الرسمية تقريراً يدعي أن الحركة تواصل عمليات توسيع شبكة أنفاقها عبر بناء أنفاق جديدة وإعادة تأهيل الأنفاق القائمة. 

تأتي هذه المزاعم في سياق تصعيد مستمر بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، وترافقها مخاوف إسرائيلية متزايدة من هذه الشبكة التي تعتبرها “تهديداً وجودياً” على أمنها.

 

محاولات مستمرة وفشل في المواجهة

وفقاً للتقرير الإسرائيلي، فإن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن حتى الآن سوى من تدمير ربع شبكة الأنفاق التابعة لحماس، رغم مرور أشهر طويلة على عمليات القصف المكثف والاجتياحات. 

وذكرت صحيفة “معاريف” أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعترف بشكل كامل بأن 25% فقط من الأنفاق التي حفرتها حماس قد كُشف عنها ودُمّرت، ما يعكس فشلاً استخباراتياً وعسكرياً في مواجهة هذا التحدي.

هذا الفشل الميداني يأتي على الرغم من استخدام الاحتلال تقنيات متطورة وأسلحة حديثة في عمليات استهداف الأنفاق، والتي غالباً ما تصفها إسرائيل بأنها “ضربات دقيقة” تستهدف البنية التحتية للمقاومة.

لكن الواقع يشير إلى أن حماس طورت من تكتيكاتها واستراتيجياتها، وأصبحت تستخدم شبكة الأنفاق ليس فقط للتخفي والانتقال، بل كوسيلة لمفاجأة العدو وتنفيذ عمليات نوعية.

شبكة الأنفاق كاستراتيجية دفاعية وهجومية

شبكة الأنفاق ليست مجرد ممرات تحت الأرض، بل هي منظومة استراتيجية متكاملة، توفر للمقاومة ميزة كبرى في المواجهة مع الاحتلال.

فهي تستخدم لنقل المقاتلين والعتاد، وتخزين الأسلحة، وحتى لتنفيذ عمليات هجومية عبر التسلل إلى مواقع العدو. 

وفي الوقت الذي تعتمد فيه إسرائيل على التكنولوجيا العالية وأنظمة الكشف الحديثة، تستفيد المقاومة من معرفة الجغرافيا المحلية والقدرة على التحرك بسرية تامة.

وقد أظهرت معارك سابقة، مثل حرب 2014، كيف تمكنت المقاومة من استخدام الأنفاق لتنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط العدو، وهو ما دفع إسرائيل إلى تكثيف جهودها لاكتشاف هذه الشبكة وتدميرها. 

ورغم ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن المقاومة تمكنت من تطوير هذه الشبكة بشكل أكبر وأعمق، متجاوزة العقبات التقنية والاستخباراتية.

إصرار المقاومة وصمود أصحاب الأرض

وسط هذه المزاعم والمخاوف الإسرائيلية، يبرز مشهد آخر يعكس واقع الصراع: أصحاب الأرض في غزة يواصلون المقاومة، متمسكين بحقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم، بينما يظهر الاحتلال في حالة صدمة متكررة من تطور قدرات المقاومة وتنوع أساليبها. 

شبكة الأنفاق التي تتحدث عنها إسرائيل ليست مجرد وسيلة دفاعية، بل هي تعبير عن إصرار الفلسطينيين على الصمود والتصدي لقوة عسكرية تتفوق عليهم في العدد والعتاد.

ورغم محاولات الاحتلال المستمرة لإضعاف قدرات المقاومة، إلا أن الواقع يؤكد أن حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى نجحت في تطوير تكتيكاتها وتقنياتها العسكرية، مستفيدة من الخبرات المتراكمة والمعلومات التي تتبادلها مع حلفائها.

وفي كل مرة يعلن الاحتلال عن تدمير الأنفاق، يعود الفلسطينيون لبنائها مجدداً، مستخدمين أساليب أكثر تطوراً ومرونة.

الأبعاد النفسية للصراع تحت الأرض

إن الصراع حول الأنفاق ليس مجرد مواجهة ميدانية، بل يمتد إلى الجانب النفسي أيضاً. فوجود شبكة الأنفاق يعكس قدرة الفلسطينيين على الصمود في وجه الحصار والقصف، ويشكل مصدر قلق دائم للإسرائيليين الذين يدركون أن هذه الشبكة قد تكون الطريق لتنفيذ عمليات نوعية تؤثر على معنويات جنودهم وسكانهم.

من ناحية أخرى، فإن الحديث الإسرائيلي المستمر عن الأنفاق وتضخيم خطرها يخدم أيضاً أهدافاً داخلية، حيث يسعى الاحتلال لتبرير استخدام القوة المفرطة ضد غزة وفرض مزيد من الإجراءات الأمنية، بينما يستخدمها السياسيون لكسب دعم الرأي العام الإسرائيلي.

خاتمة: بين الخوف والصمود

إن مزاعم إسرائيل المستمرة بشأن شبكة أنفاق حماس في غزة تكشف عن حالة من الهلع الدائم الذي يعيشه الاحتلال، رغم تفوقه العسكري والتقني.

فهذا الهلع ينبع من إدراكه أن أصحاب الأرض يواصلون تحديه، وأن المقاومة، برغم الحصار والقصف، لا تزال قادرة على التطوير والتوسع.

وبينما يتحدث الإسرائيليون عن الأنفاق كتهديد لأمنهم، يراها الفلسطينيون وسيلة شرعية للدفاع عن أرضهم وحمايتها. 

وسيبقى الصراع بين محاولات الاحتلال لفرض السيطرة وحق الفلسطينيين في المقاومة، حتى ينال الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.

اقرأ أيضًا : دعم أمريكي لتطرف المستوطنين الإسرائيليين: زيارة سفير أميركي لمستوطنة الضفة