العدسة: محمد العربي

لم يكن ما جرى ومازال يجري مع نجلي الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك خلال الأيام الماضية أمرا طبيعيا، فبعد أقل من خمسة أيام علي حبسهما يتم إطلاق سراحمها علي ذمة قضية التلاعب بالبورصة، وبعد 48 ساعة ترفض محكمة النقض طلبهما بالتصالح في قضية القصور الرئاسية، ما دفع بعشرات التساؤلات عن الصراع الدائر الآن بين دولتي مبارك والسيسي، وأيهما استطاع الفوز في آخر جولاتهما، وهل كانت خسائر البورصة خلال الأسبوع الماضي رسالة للسيسي بأن ما جرى ضد الإخوان أو شركاءه في الانقلاب، ليس شرطا أن ينفع مع آل مبارك.

الأحداث الأخيرة كشفت كذلك عن أزمة القضاء المصري الذي أصبحت أحكامه محك شك كبير، خاصة وأن ما جري مع نجلي مبارك في رد هيئة المحكمة التي أصدرت في حقهما قرارا بالحبس، ثم إطلاق سراحمها، يؤكد أن البيان الذي أصدرته الجمعية العمومية لمحكمة النقض قبل أيام ردا علي انتقاد المفوضية السامية لحقوق الإنسان لاحكام الإعدام التي صدرت في حق الإخوان المسلمين بقضية فض رابعة، يحتاج من عمومية النقض لإعادة النظر في فكرة استقلالية القضاء المصري مرة أخري.

معركة لي الأذرع

متابعون لتطور الاحداث الأخيرة أكدوا أن آل مبارك نجحوا في الجولة الأخيرة، والتي بعثوا فيها برسالة قوية للسيسي بأن القوة العسكرية والقبضة الأمنية ليست هي كل شيء، أو أن جراب آل مبارك مكتظ بالمفاجآت، فما جري في البورصة خلال الأيام الماضية، كان مرتبطا بشكل واضح بحبس علاء وجمال مبارك في قضية التلاعب بالبورصة، وأن الخسائر التي تجاوزت 70 مليار جنيه في أسبوع وأعادت البورصة لعهدها المظلم قبل تحرير سعر الصرف، كان يمكن أن تزيد عن هذا الرقم إذا ما استمر حبس أبناء الرئيس السابق.

ويشير محللون سياسيون أن سيطرة آل مبارك علي البورصة المصرية خلال حكم والدهم، جعلهم يتحكمون في الشركات المؤثرة بعمل البورصة، مثل هيرمس وغيرها، وبالتالي فإن الاقتراب منهم هذه المرة كان مغايرا عن المرات السابقة التي صاحبت ثورة 25 يناير 2011، وهو ما يشير إلي أن كل طرف من أطراف الصراع السياسي في مصر بات يعلم بنقاط القوة والضعف جيدا في خصومه، وأن الصراع تجاوز السيسي والإخوان، لصراع بين دولة مبارك ونظام السيسي وأيهما يستطيع التغلب علي الآخر.

وطبقا لهذا الفريق من المحللين فإن السيسي استغل رحيل ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز، والذي كان يقدم دعما كبيرا لمبارك وأسرته، ومع رحيله فإن السيسي وجد الساحة خالية للنيل من أبناء مبارك، إلا أن حساباته كانت خاطئة هذه المرة وبرهنت علي أن السيسي لم يستطيع حتي الآن فك طلاسم المتحكمين في الاقتصاد المصري.

وحسب هؤلاء المحللين فإن آل مبارك حققوا مكسبا كبيرا نتيجة غباء نظام السيسي، والمكسب هنا لم يكن اقتصاديا أو قانونيا فقط، وإنما كان سياسيا كذلك، حيث بعث ما جري خلال الأيام الماضية برسالة لكل الأطراف بأن هناك من يستطيع أن يتصدي للسيسي، وأن هناك قوة أخري ليست عسكرية أو أمنية يمكن ان تلعب دورا في المشهد السياسي المصري، ومن يريد الدخول في اللعبة فعليه أن يلتقط طرف الخيط.

السيسي ورجال الأعمال

ويري محللون اقتصاديون أن ما جري بين السيسي ونجلي مبارك أعاد للأذهان ما جري مع رجل الأعمال صلاح دياب، الذي تم اعتقاله ظهر 11 مايو 2015 بشكل درامي، وتم إطلاق سراحه بعد ساعات، مصحوبا باعتذار من وزير الداخلية ورئيس الحكومة.

ويشير المحللون أن ما جري مع صلاح دياب في البداية كان أقرب لحملة تأديب، ولكن مع ردود الأفعال الغاضبة داخليا وخارجيا تحول التأديب لتأنيب ولكن التأنيب كان من نصيب نظام السيسي الذي لم يقرأ المشهد جيدا قبل الدخول في صدام مع رجل أعمال ذات صلات دولية متعددة أبرزها إسرائيل، وهو ما تكرر للمرة الثانية مع آل مبارك، خاصة وأن ما جري معهما يشير لرغبة السيسي في ابعادهما عن المشهد السياسي وليس من أجل استعادة أموال وحقوق الدولة التي نهبوها، وهو ما أعاد التأنيب مرة أخري لنفس النظام الذي لم يتعلم الدرس.

صدام التروس المقصود

وتري وجهة نظر أخري أن الصراع الدائر مقصود، وليس عشوائي وأن الهدف منه خلق قناعة بأن التنافس علي السلطة وحكم مصر لن يخرج عن النظام الذي رسمه جمال عبد الناصر وسار عليه مبارك ويسير عليه السيسي، وأنه لا مكان للحظة العابرة التي شهدتها مصر في 25 يناير 2011، في هذا المخطط، ويدعم هذا الرأي الكاتب الصحفي وائل قنديل الذي وصف في مقال سابق له، بأن مصر تشهد اصطدام أو اصطاك بين تروس الأجهزة ومؤسسات الدولة العميقة، أو ما وصفه قنديل بأنه صراع بين كارهي ثورة يناير، بعد أن خلت لهم الساحة، فالصراع انحصر بين أجهزة السيسي وبقايا الدولة العميقة التي صنعها مبارك.

ويري قنديل أن هذا الصراع مقصودا وليس من قبيل المصادفة وأن الذي يقف وراءه هو عبد الفتاح السيسي نفسه الذي لا يتوقف نظامه عن إنتاج وتصدير الصور الزائفة عن الواقع المصري، من أجل سحق الذاكرة، وافتراس الوعي العام، وتصوير الأمر وكأن الصراع في مصر داخلي وبين أبناء نظام واحد وليس لثورة يناير دور فيه، وهو ما يهدف لإزهاق الأمل، وقتل الحلم بإمكانية مقاومة كل هذا القبح.

هزلية القضاء

ويتفق المحللون أن الخسارة الأساسية فيما جري كانت في القضاء المصري، الذي أثبت أنه يحتاج لثورة تغيير حقيقية، بعد أن أصبح لعبة في يد النظام والمتحكمين في الشأن المصري حتي لو كانوا من خارج منظومة الحكم، خاصة وأن ما جري يوم الخميس 20 سبتمبر الماضي كان فجا بدرجة فضحت المؤسسة القضائية، ففي أقل من 24 ساعة يقوم محامي نجلي مبارك بتقديم طلب لرد المحكمة، يتم الموافقة عليه ثم نظره والموافقة علي رد المحكمة، ثم الموافقة علي إطلاق سراح النجلين بكفالة مالية 100 ألف، وقبل تشكيل هيئة المحكمة الجديدة التي من المفترض أن تستكمل إجراءات القضية في 20 من أكتوبر المقبل.

ويري المتابعون أن ما جري مع آل مبارك كان بعد اقل من أسبوعين من حكم آخر بإعدام 75 من قيادات الإخوان المسلمين ومعارضي السيسي في قضية فض رابعة الشهيرة، والتي لم يحصل أحد فيها علي حكم بالبراءة، وهو ما يؤكد أن الأحكام القضائية في مصر مسيسة، إلا أن جهاز التحكم فيها ليس في يد السيسي وحده، بل إن هناك آخرين يسيطرون علي أجهزة التحكم، وهو ما يضع القضاء المصري في ورطة أخلاقية محلية ودولية.

حروب المستقبل

ويتوقع فريق من المحللين أن الصدام بين السيسي وآل مبارك لم ينته، بل إنه بالكاد قد بدأ، وهو ما ينذر بحرب طاحنة بين فريقين الأول يري في استعادة وجوده وقوته وسطوته مرة أخري أمر في متناول اليد، وهو الفريق الذي يمثله قيادات وأنصار الحزب الوطني المنحل، وفريق آخر يرون أنه بعودة الوطني فإن رجال السيسي لن يكون لهم موجود، ويمثل هذا الفريق بالطبع المتربحون من وجود السيسي علي رأس السلطة.

ويري المحللين أن ساحة هذا الصراع يمكن أن تكون معركة التعديلات الدستورية المتوقعة والتي يريد منها السيسي أن يواصل بقاءه علي كرسي الحكم من خلال تعديل مدة الرئاسة وفتراتها، وهي المعركة التي ينتظر العديد من الجهات نتائجها، في ظل تناقص الداعمين الدوليين للسيسي، وفي حال تزعزعت مكانة الرئيس الأمريكي ترامب في الحكم، فإن فرص الفوز في معركة تعديل الدستور أصبحت متساوية بين الرافضين والمؤيدين.

إلا أنه وطبقا للرأي السابق فإن هذا معناه أن الصراع الذي أشار إليه الكاتب الصحفي وائل قنديل في مقاله الذي سبق الإشارة إليه، يؤكد أن إعادة انتاج ثورة يناير 2011، أصبح في غاية الصعوبة، نتيجة الصراع الذي جري بين تروس هذه الثورة، وكذلك تداعيات انقلاب يوليو 2013، وما تبعه من مجازر شهدتها الشوارع المصرية ضد أنصار الرئيس محمد مرسي، مما جعل فرص عودة تروس ثورة يناير للاندماج مرة أخري أمر يصعب تحقيقه.