العدسة – منصور عطية

يبدو أن الصراع على خلافة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لم يعد مكتومًا، وسط توقعات بأن تزداد حدته كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 2019، خاصة أن “بوتفليقة” لم يحسم أمره بعد بالترشح لولاية خامسة من عدمه.

فإلى أي مدى يستطيع كل فريق أن يصمد في مواجهة الآخر؟ ولأيهما يمكن أن تميل كفة الجيش، وهل يؤثر ترشيح بوتفليقة في حسم الصراع؟.

“بوتفليقة” يصدم “أويحيى”

الصراع خرج إلى العلن بين رئيس الحكومة أحمد أويحيى، و”سعيد” شقيق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد تدخل الرئاسة، التي يُمسك الشقيق الأصغر للرئيس بزمامها، لإلغاء اتفاق وقعته الحكومة مع هيئة تمثل “الكارتل المالي” – وهو تكتل اقتصادي يضم مستثمرين ورجال أعمال كبار- واتحاد العمال يقضي بفتح رأس مال لشركات ومؤسسات اقتصادية عمومية لصالح رجال الأعمال المستثمرين من القطاع الخاص “الخصخصة”، بزعم قطع الطريق على محاولة “الكارتل المالي” التواطؤ مع الحكومة للاستيلاء على 1200 مؤسسة اقتصادية عمومية تعاني من عجز مالي.

ففي قرار مفاجئ أبلغت الرئاسة رئيس الحكومة رفضها خطته الأخيرة بشأن بيع جزء من رأسمال وأسهم مؤسسات وشركات عمومية لصالح مستثمرين، بزعم إنعاشها والاستثمار فيها، وفقاً لاتفاق وُقع قبل أسبوعين بين الحكومة وهيئة “الكارتل المالي”، بمباركة من النقابة المركزية للعمال.

وأصدرت رئاسة الجمهورية “تعليمة” عاجلة موجهة إلى “أويحيى” والوزراء لمطالبته بوقف تنفيذ كل قرارات الحكومة، وتفيد “التعليمة” أنه “بموجب القانون، فإن رئيس الجمهورية يلفت إلى أن القرار النهائي لفتح أية مؤسسة عمومية يعود إلى رئيس الجمهورية، وعليه فإنه يتعين إلغاء أية توافقات أو اتفاقات تخص فتح رأس مال أية مؤسسة عمومية”.

ويكشف هذا التطور اللافت عدة شواهد جديرة بالتوقف أمامها؛ فهي تزيح الستار عما يمكن أن نسميه “حكومة ظل” في رئاسة الجمهورية تعارض مسار حكومة “أويحيى” وتتدخل في قراراتها على خلفية صراع يرتبط بالانتخابات الرئاسية.

مسؤولون قالوا: إن “الرئاسة استشرفت وجود نوايا غير سليمة، وأبدت انزعاجًا كبيرًا من الطريقة التي سيرت بها الحكومة تصفية مؤسسات اقتصادية عمومية، خصوصًا بعد ورود تقارير عن وجود صفقات بين الحكومة ومستثمرين بعينهم للفوز بالحصة الأكبر من الأسهم في مؤسسات عمومية”.

غياب “بوتفليقة” عن المشهد السياسي منذ وعكته المرضية في أبريل 2013، وغموض موقفه من انتخابات 2019، دفعا إلى الجزم بأن القرار الأخير كان مصدره شقيق الرئيس، خاصة أن القرار يتناقض مع القوانين المنظمة للاستثمار وتسيير المؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة.

ووفق سياسيين، فإن التطورات تحيل إلى جملة من التساؤلات، أبرزها: ما هو البرنامج الذي يطبقه رئيس الوزراء؟ وكيف وافقت الأغلبية البرلمانية على خطته إذا كانت له أجندات تتعارض مع برنامج الرئيس؟ وهل قرار إلغاء بيع المؤسسات العمومية هو إرادة للحفاظ على السيادة الاقتصادية، أم أن المسألة مرتبطة بصراع الأجنحة على كرسي الرئاسة؟.

حملة تقليم الأظافر

تقارير إعلامية، وصفت ما يواجهه “أويحيى”- الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، الشريك الثاني في الحكومة بعد حزب “بوتفليقة”- بأنه حملة لتقليم أظافره، في إطار محاولات قطع الطريق أمامه للترشح وخلافة “بوتفليقة”.

جمال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، حسم الأمر بتأكيده أن الرئيس القادم للبلاد سيكون من الحزب، شكل بحسب التقارير، تحالفا ثلاثيا جمعه بكل من سيدي سعيد وعلي حداد، رؤساء الاتحاد العام للعمال، ومنتدى رؤساء المؤسسات (اتحاد الشغل واتحاد أرباب العمل) لمراقبة الاتفاق الذي وقعه “أويحيى” باسم الحكومة لخصخصة أكثر من 1000 مؤسسة جزائرية عامة غير إستراتيجية.

لكن آراء المحللين انقسمت حول الغرض الحقيقي من الحملة ضد “أويحيى”، حيث رأى أحد الفريقين أن التسريبات بدأت تتحدث عن تنحية رئيس الحكومة في إطار تغيير حكومي وشيك، ولتحريض جهات أخرى للكشف عن مواقفها أو لتغيير معسكرها في السفينة لخلق توازنات جديدة لحسم المواعيد السياسية المقبلة.

يعزز من هذا التوجه إبداء وزير الطاقة الأسبق، شكيب خليل، استعداده لأي مسؤولية تطلب منه، ويعمل في هدوء تام لتلميع صورته، من خلال تجواله في مختلف الولايات وبانتظام لتقديم محاضرات في الظاهر، وهي في الحقيقة شرح لبرنامج انتخابي ليس إلا، وفق التقارير.

في المقابل، فإن الرأي الآخر يقود إلى حرص “بوتفليقة” على استمرار “أويحيى” في منصبه، حتى يبقى بعيدًا عن سباق الرئاسيات نظرًا لموقعه القيادي الذي يحتم عليه إدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها.

وفي هذا السياق، قد يمكن فهم الرد الرئاسي القاسي على خطة رئيس الحكومة بأنه محاولة لتشويهه وإضعاف فرصه في خوض معترك الانتخابات إذا قرر الاستقالة من تلقاء نفسه، فضلًا عن محاولة شقيق الرئيس استمالة “الكارتل المالي” إلى صفه بعيدًا عن “أويحيى”.

وتذهب قراءات سياسية أخرى إلى أن تدخل حكومة الظل في الرئاسة ضد قرارات الحكومة، لا تتعلق بحماية المؤسسات الاقتصادية من تغول “الكارتل المالي”، بقدر ما تتعلق بمحاولة حكومة الظل- التي يقودها شقيق “بوتفليقة”- سحب ورقة توزيع المؤسسات العمومية على “الكارتل المالي” من “أويحيى”، ومنع وقوع تحالف بين الطرفين من جهة، ومن جهة أخرى انفراد الرئاسة بهذه الورقة لصالحها، وبقاء عملية توزيع الريع العمومي على “الكارتل المالي” بيد الرئاسة، ما يضمن دعمه لمرشحها، سواء كان الأمر يتعلق بولاية رئاسية خامسة لـ”بوتفليقة” أو لوريث سياسي يجري تحضيره.

إلى من يميل الجيش؟

في أكتوبر الماضي، وقعت 3 شخصيات جزائرية، على بيان يطالب بعدم ترشح “بوتفليقة”، البالغ من العمر 80 عامًا، لولاية خامسة في 2019، من خلال “جبهة مشتركة” للتغيير وبمساعدة الجيش أو بحياده.

وقع البيان كل من: “أحمد طالب الإبراهيمي”، وزير سابق ومرشح للانتخابات الرئاسية في 1999، والمحامي “علي يحيى عبد النور”، الذي يعتبر أقدم مناضل حقوقي بالجزائر ووزير سابق، والجنرال المتقاعد “رشيد بن يلس” قائد القوات البحرية سابقًا.

وبالعودة إلى الحديث عن مطالب تنحية “بوتفليقة” ودعوة الجيش للإمساك بزمام الأمور، ناشدت أحزاب وشخصيات سياسية وتنظيمات مدنية، بتطبيق بند المادة 102 من الدستور، والتي تنص صراحة على أنه: “إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبًا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع”.

وعلى الرغم من كل المعطيات السابقة، فإن موقف الجيش الجزائري كان حاسمًا، وهو ما أكده رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الذي كرر 3 خطابات ألقاها أمام عسكريين، خلال عام 2017، بالتزام مؤسسته بالدستور، والخضوع لقائده الأعلى “بوتفليقة”.

ورغم أن المؤسسة العسكرية في الجزائر كانت توصف دومًا بأنها “صانعة الرؤساء”، وهو ما حدث مع “بوتفليقة” نفسه عام 1999، إلا أن الرجل تمكن في فترته الثانية من إحكام السيطرة على الجيش؛ تجلت في تقديم الفريق “محمد العماري”، رئيس أركان الجيش الجزائري، في أغسطس 2004، استقالته رسميًّا، ليعين “بوتفليقة” قائد القوات البرية، الفريق “أحمد قايد صالح” خلفًا له، ويبسط سيطرته المطلقة على المؤسسة الأمنية بإقالة الفريق “محمد مدين”، في سبتمبر 2015، الذي استلم رئاسة جهاز المخابرات العسكرية منذ 1990، ويقوم بتعيين اللواء “بشير طرطاق” مكانه، وهو أحد مستشاري “بوتفليقة” للشؤون الأمنية.

وعليه، يبقى خيار الجيش محسومًا -من الناحية النظرية- لصالح جناح الرئيس، سواء كان هو بشخصه رئيسا لفترة خامسة، أو رشح أحدا مكانه وهو في هذه الحالة شقيقه الأصغر “سعيد”.