في مشهد غير مسبوق منذ عقود، عاش الاحتلال الإسرائيلي ليلة شديدة القسوة بفعل موجات متتالية من الهجمات الصاروخية الإيرانية، التي كشفت عن هشاشة منظومات الدفاع وأدخلت القيادات السياسية والعسكرية في حالة استنفار، وصلت إلى حد اختباء رئيس الوزراء ووزير الدفاع في ملجأ محصن، وهرع السفير الأميركي إلى الملاجئ خمس مرات في أقل من 12 ساعة.

فقد وصف السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، ليلته الماضية بأنها كانت “قاسية إلى أبعد الحدود”، مشيرًا إلى أنه اضطر للجوء إلى الملاجئ خمس مرات متتالية، بسبب كثافة الضربات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت مدنًا ومواقع حيوية في عمق إسرائيل.

 وأكد هاكابي أن أصوات الانفجارات كانت “مرعبة”، وأثارت الهلع في أوساط الدبلوماسيين والمواطنين على حد سواء.

6 دفعات صاروخية تهز إسرائيل

وكانت إيران قد أطلقت ست دفعات من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة نحو أهداف في مناطق واسعة داخل إسرائيل، ضمن ردّ متواصل على هجمات إسرائيلية طالت مواقع حساسة داخل الأراضي الإيرانية مؤخرًا.

وأفادت الجبهة الداخلية الإسرائيلية صباح السبت بأن الضربة السادسة استهدفت مناطق مكتظة في تل أبيب وضواحيها، بما في ذلك مدن مثل رمات غان وريشون ليتسيون.

خسائر بشرية ومادية كبيرة

الهجمات، التي وُصفت بأنها “الأعنف منذ حرب 1973″، أسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين، اثنان منهم في قصف مباشر على مدينة ريشون ليتسيون جنوب تل أبيب، وثالثة في مدينة رمات غان، حيث سقط صاروخ إيراني على أحد المباني السكنية فجر اليوم السبت.

وإلى جانب القتلى، أُصيب ما لا يقل عن 90 شخصًا بجروح متفاوتة، بعضهم في حالات خطيرة، فيما تحدثت مصادر طبية عن إصابات جراء انهيار مبانٍ جزئي واندلاع حرائق في عدد من المواقع نتيجة سقوط الشظايا والصواريخ التي فشلت منظومة “القبة الحديدية” في اعتراضها جميعًا.

تل أبيب بلا حصانة.. والملاجئ ملاذ الجميع

الهجمات الإيرانية كشفت هشاشة النظام الدفاعي الإسرائيلي رغم المليارات التي أُنفقت على تطويره خلال السنوات الأخيرة. 

ففي حين تمكنت بعض المنظومات من اعتراض عدد من الصواريخ، فإن كميات كبيرة أخرى اخترقت الدفاعات الجوية وسقطت في مناطق مأهولة، مما أدى إلى خسائر في الأرواح والممتلكات، وأثار قلقًا واسعًا في الشارع الإسرائيلي.

من جهة أخرى، بدا واضحًا أن الضربات الإيرانية أجبرت مختلف المسؤولين على الاحتماء، إذ نقلت شبكة “سي إن إن” الأميركية عن مصادر أمنية إسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس توجها إلى “مخبأ محصن تحت الأرض” لمتابعة تطورات الوضع. 

وترافق ذلك مع دعوات من الجيش الإسرائيلي للسكان بالبقاء في الملاجئ، خاصة في مناطق الجنوب والوسط.

صدمة دبلوماسية أميركية

ما أدلى به السفير الأميركي يعكس حجم الصدمة التي أصابت البعثات الأجنبية العاملة داخل إسرائيل. فهاكابي، وهو شخصية محسوبة على التيار المحافظ في الولايات المتحدة، لم يُخفِ ذعره من الهجمات، وعبّر بوضوح عن أن هذه الليلة كانت “الأصعب” منذ وصوله إلى إسرائيل، مؤكدًا أن أصوات الانفجارات وأزيز صافرات الإنذار كانا كفيلين بإشعار الجميع بأن “الخطر حقيقي”.

وقد أثار تصريحه ردود فعل واسعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية، حيث رأى محللون أن حديث هاكابي يحمل “رسالة تحذير ضمنية” لإدارة بايدن بشأن فشل إسرائيل في توفير الأمن حتى لحلفائها على أراضيها.

إعادة نظر في حسابات الردع

تضع هذه التطورات إسرائيل أمام واقع استراتيجي جديد، يفرض عليها إعادة تقييم عقيدتها الأمنية والردعية. فبعد أن كانت تعتبر نفسها صاحبة اليد العليا في الحروب الخاطفة وضربات “ما دون الحرب”، أصبحت الآن عرضة لهجمات مباشرة من دولة إقليمية كبيرة مثل إيران.

وتتزايد التساؤلات في الأوساط الإسرائيلية حول مدى جهوزية الجبهة الداخلية لأي تصعيد إضافي، في ظل مؤشرات على احتمال توسيع نطاق الهجمات الإيرانية لتشمل قواعد أميركية في المنطقة، وهو ما ألمح إليه أكثر من مسؤول إيراني خلال الساعات الماضية.

الخلاصة

ما جرى الليلة الماضية ليس مجرد قصف عابر، بل تحول نوعي في قواعد الاشتباك، إذ ضربت إيران قلب إسرائيل بصواريخ أصابت العمق الجغرافي والبشري والمعنوي. ومع فرار السفير الأميركي خمس مرات إلى الملاجئ، واختباء القادة في الأنفاق، فإن إسرائيل تبدو الآن وقد فقدت بعضًا من هالة الردع التي كانت تتباهى بها لعقود.

اقرأ أيضًا : “ضربة مرعبة وموجّهة للاحتلال”.. دفعة صواريخ إيرانية جديدة تضرب تل أبيب وتخلّف دماراً واسعاً