شهد ميناء الدار البيضاء مساء الجمعة احتجاجًا شعبيًا واسعًا شارك فيه مئات النشطاء المغاربة، رفضًا لرسو سفينة تابعة لشركة “ميرسك” العالمية، يُشتبه في أنها تنقل معدات عسكرية إلى إسرائيل.
الوقفة التي دعت إليها “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع” رفعت شعارات قوية ضد تطبيع العلاقات مع الاحتلال، وندّدت بتحويل الموانئ المغربية إلى منصات دعم للحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، في ظل استمرار المجازر في غزة.
الحدث كشف عن الغضب المتصاعد داخل الشارع المغربي إزاء ما يعتبره الكثيرون انحرافًا خطيرًا في السياسات الخارجية للمملكة، يتناقض مع تاريخ التضامن الشعبي المغربي مع القضية الفلسطينية، ويجعل الحكومة والملك في مواجهة مباشرة مع الإرادة الشعبية الرافضة للتطبيع، لا سيما في خضم حرب إبادة مستمرة تُرتكب بحق المدنيين في قطاع غزة.
تفاصيل الحدث: ميناء مغربي قد يُستخدم لتمرير السلاح
الوقفة التي نظّمت في محيط ميناء الدار البيضاء شهدت حضورًا لافتًا لمئات النشطاء الذين عبروا عن سخطهم حيال السماح لسفينة يُشتبه في علاقتها بالاحتلال الإسرائيلي بالرسو في مرفأ مغربي.
وأكد المنظمون أن السفينة تابعة لشركة الشحن العالمية “ميرسك”، التي وُجهت لها في وقت سابق اتهامات من نشطاء دوليين بنقل معدات عسكرية حساسة إلى إسرائيل.
الاحتجاج تخللته شعارات تندد بالتطبيع و”التواطؤ مع آلة القتل الصهيونية”، مؤكدين أن مرور السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها عبر الأراضي المغربية يمثل “مسًا بالسيادة الوطنية” و”تحديًا لإرادة الشعب”.
وتصاعدت حدة الغضب بعد معلومات تفيد بأن السفينة ستتجه بعد رسوها في الدار البيضاء إلى ميناء طنجة المتوسطي لتحميل شحنة يُعتقد أنها تتضمن معدات خاصة بطائرات الشبح الأمريكية F-35، ومن ثم ستُرسل إلى قاعدة “نيفاتيم” الجوية الإسرائيلية، إحدى أهم قواعد الاحتلال المستخدمة في قصف غزة.
الشعب يرفض التطبيع والحكومة تغض الطرف
يأتي هذا الحراك الشعبي الغاضب في وقت حساس تمر به العلاقات المغربية-الإسرائيلية، بعد ثلاث سنوات من توقيع اتفاق التطبيع في إطار ما سُمي بـ”اتفاقات أبراهام”.
وبينما تواصل الحكومة والملك محمد السادس الدفاع عن التطبيع بزعم خدمة المصالح الوطنية، يرى الشارع المغربي أن تلك العلاقات باتت تشكل غطاءً مباشراً للعدوان على غزة، وتتعارض مع الثوابت القومية والإسلامية للمغاربة.
التناقض الصارخ بين الموقف الشعبي والرسمي بات أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. ففي الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون من حرب إبادة حقيقية، ويُمنعون من تلقي المساعدات الإنسانية، تُفتح الموانئ المغربية – كما يُخشى – لسفن قد تحمل أسلحة تُستخدم في قتل الأطفال والنساء في القطاع.
وقد عبّرت الحقوقية خديجة الرياضي عن هذا التناقض بقولها: “نحن نريد أن نرى سفن الإغاثة المحملة بالمؤن والأدوية هي التي تغادر موانئنا إلى غزة، لا السفن التي تخدم العدو الصهيوني”.
هذه الكلمات تعكس حجم السخط الشعبي الذي بات لا يحتمل، في ظل عجز رسمي كامل عن اتخاذ موقف أخلاقي من حرب الإبادة الجارية.
من جانبه، قال الناشط حسن بناجح إن مجرد السماح بمرور هذه السفن هو “وصمة عار” على من يصمت أو يُبرر، في إشارة واضحة للسلطة الحاكمة.
هذا النوع من الخطاب السياسي من داخل المغرب يُعتبر تحولًا نوعيًا في لهجة المعارضة المدنية تجاه القصر، ويكشف أن التطبيع مع الاحتلال بات عبئًا سياسيًا على الداخل المغربي نفسه.
غضب يتوسع والملك في مرمى الانتقادات
الاحتجاج الذي شهده ميناء الدار البيضاء لن يكون الأخير، حيث أعلن النشطاء أنهم سيتوجهون إلى ميناء طنجة المتوسطي يوم الأحد، لمواصلة الضغط الشعبي ومنع السفينة من تحميل أي شحنات قد تتجه للاحتلال الإسرائيلي.
هذا التحرك يعكس إصرارًا على رفض استغلال الأراضي المغربية كمنصّة لتمرير أدوات القتل، في وقت يُذبح فيه الفلسطينيون يوميًا تحت القصف والحصار.
الأخطر أن الحكومة المغربية لم تصدر أي توضيح رسمي حول الحادثة، ما يُفسّر من قبل النشطاء كـ”صمت تواطئي”، يُعبّر عن استمرار السلطة في تجاهل المطالب الشعبية والتمادي في نهجها التطبيعي.
وهكذا، تجد السلطة نفسها اليوم أمام معادلة خطيرة: إما أن تراجع مواقفها وتغلق الموانئ في وجه كل ما له صلة بالاحتلال، أو تواجه اتساع رقعة الغضب الداخلي الذي لم يعد محصورًا في النخب السياسية والحقوقية، بل بدأ يمتد إلى الشارع العام، الذي يرى في التطبيع خيانة لفلسطين وخيانة للهوية.
وفي وقت تستمر فيه حرب الإبادة على غزة، يبدو أن كل شاحنة، وكل ميناء، وكل سفينة، قد تتحول إلى نقطة اختبار جديدة لما تبقى من كرامة القرار السيادي المغربي، فهل تتدارك الحكومة والملك الموقف قبل أن يفلت من أيديهم؟.
اقرأ أيضًا : لمن يسأل: لماذا باع ملك المغرب فلسطين؟ هنا جزء من الجواب
اضف تعليقا