في خطوة دبلوماسية حاسمة، وجه الدكتور علي يوسف، وزير الخارجية السوداني، رسائل خطية إلى وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس السلم والأمن الأفريقي، سُلمت عبر سفير السودان لدى الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، وذلك قبل انعقاد الاجتماع المرتقب للمجلس مساء الخميس، 14 فبراير.
وتضمنت الرسائل توضيحًا شاملاً للأحداث التي شهدها السودان منذ اندلاع التمرد الدموي الذي قادته قوات الدعم السريع المحلولة، مدعومة بقوى إقليمية، تسعى لزعزعة استقرار السودان وإطالة أمد الصراع لتحقيق أجنداتها الخاصة.
وأكدت الرسالة أن الحكومة السودانية تعاملت منذ اللحظة الأولى للصراع بحكمة ومسؤولية، حيث استجابت لمساعي السلام ووقعت على إعلان جدة، إلا أن الميليشيات لم تحترم الالتزامات المترتبة على الإعلان، بل استغلته لتعزيز نفوذها العسكري في المدن والبلدات الآمنة، في تحدٍ صارخ لكل الجهود الرامية لإحلال السلام.
الدعم الإماراتي للميليشيات
يمثل التحرك السوداني أمام مجلس السلم والأمن الأفريقي ضربة قوية للإمارات، التي تورطت في دعم الميليشيات المتمردة، سواء من خلال إمدادها بالسلاح المتطور أو إرسال المرتزقة للقتال في صفوفها.
وأشار تقرير الخارجية السودانية إلى أن الإمارات كانت اللاعب الرئيسي في تصعيد الأزمة، حيث زودت قوات الدعم السريع بمعدات عسكرية متقدمة وطائرات مسيرة، كما سهلت تدفق آلاف المرتزقة من مناطق النزاعات في أفريقيا وآسيا إلى السودان.
وأوضحت الرسالة أن الدعم الإماراتي لم يقتصر على التسليح، بل امتد ليشمل دعمًا لوجستيًا وماليًا كبيرًا، مكن المتمردين من مواصلة انتهاكاتهم الوحشية بحق المدنيين في إقليم دارفور وأجزاء واسعة من السودان.
كما أكدت تقارير استخباراتية دولية أن أسلحة إماراتية حديثة تم تهريبها إلى قوات الدعم السريع عبر دول مجاورة، ما أدى إلى تصعيد القتال وزيادة معاناة الشعب السوداني.
فظائع الميليشيات
تضمنت الرسالة السودانية توثيقًا للفظائع التي ارتكبتها الميليشيات المتمردة، بما في ذلك الإبادة الجماعية في دارفور، والمجازر الجماعية ضد المدنيين، واستخدام الاغتصاب كأداة حرب، واستهداف البنية التحتية الحيوية للدولة. وأكدت أن هذه الجرائم تتم بدعم مباشر من أطراف إقليمية، على رأسها الإمارات، التي قدمت المساعدات العسكرية والمادية لضمان استمرار نفوذها داخل السودان، ولو كان ذلك على حساب أرواح الأبرياء ومصير الدولة السودانية.
كما شددت الخارجية السودانية على أن القوات المسلحة السودانية، بدعم من الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، تمكنت من إفشال المخططات الهادفة إلى تقسيم السودان وإضعاف مؤسساته الوطنية، ونجحت في استعادة السيطرة على معظم مناطق البلاد، رغم الدعم الكبير الذي تتلقاه الميليشيات من قوى خارجية.
رفض الهدنة الإماراتية
وفي تطور جديد يعكس تراجع النفوذ الإماراتي في السودان، طلبت أبوظبي هدنة خلال شهر رمضان المبارك، بحجة توفير فرصة للمفاوضات الإنسانية، إلا أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان رفض هذا الطلب، معتبرًا أنه مجرد مناورة سياسية تهدف إلى منح المتمردين فرصة لإعادة تنظيم صفوفهم وتعطيل الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوداني.
وأكدت مصادر عسكرية سودانية أن الإمارات، عبر وسطاء، حاولت الضغط على الحكومة السودانية لإيقاف العمليات العسكرية ضد قوات الدعم السريع، إلا أن القيادة السودانية رفضت الانصياع لهذه الضغوط، متمسكة بإنهاء التمرد العسكري وإعادة الاستقرار إلى السودان دون أي تدخلات خارجية.
السودان يطالب بالعودة إلى الاتحاد الأفريقي
دعت وزارة الخارجية السودانية، في ختام رسالتها، مجلس السلم والأمن الأفريقي إلى إعادة تقييم موقفه من الأزمة السودانية، على ضوء التطورات الأخيرة، مشددة على أن السودان، الذي يعد أحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأفريقي، لا يمكن أن يبقى معزولًا عن المنظمة القارية بسبب مؤامرات إقليمية ودولية تهدف إلى إضعافه.
وأكدت الخارجية السودانية أن الخرطوم ملتزمة بخارطة الطريق التي أعلنها الفريق البرهان، والتي تهدف إلى استعادة النظام الدستوري، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس قوية. كما شددت على أن القوات المسلحة لن تسمح لأي جهة خارجية بالتدخل في الشأن السوداني أو فرض أجنداتها على مستقبل البلاد.
يمثل هذا التحرك الدبلوماسي السوداني إحباطًا كبيرًا للمخططات الإماراتية التي سعت لزعزعة استقرار السودان، من خلال دعم قوات الدعم السريع، وتحويل البلاد إلى ساحة صراع تخدم المصالح الإقليمية الضيقة لأبوظبي.
ومع استمرار التقدم العسكري للقوات السودانية، ونجاحها في إفشال مشروع الفوضى والتقسيم، بات من الواضح أن السودان يستعيد موقعه الطبيعي على الساحة الدولية، ويؤكد أن قراره السياسي لن يكون رهينة لأي قوى خارجية.
اضف تعليقا